تماماً لماذا البساطة ولماذا التعقيد؟! لماذا الخبث ولماذا البراءة؟! لماذا الكبت ولماذا الصراحة؟!.. كل شيء في الحياة لا يمكن اكتشاف بساطته إلا إذا جاور أو خالط ما يصعب اكتشافه أو فهم هويته, ولهذا كان في المثل تلك الشعرة وذلك العجين, الدقة والخفة والسلاسة والبساطة في تلك الشعرة هي ما عرفناه عنها حين وضعت كمتغير أول في خليط معقد من الماء والدقيق الذي لا يمكن أن يصبح كتلة معقدة إلا إذا اجتهدنا في تحويله من مادته الأصلية الأولية إلى مادة مركبة وجامدة ويمكن أن تجذب إليها شيئا دقيق كالشعرة مثلاً.
خروج الشعرة من العجين ليس سهلاً كما يصوره المثل القائل (زي الشعرة من العجين) بل هو أمر صعب لأنك حين تفعل ذلك يجب أن تكون مستعداً لحدوث أسوأ ما يمكن وهو انقطاع الشعرة وبقاء بعضها في العجين ومن ثم الدخول في مرحلة صعبة من البحث عن تلك الخصلة المتبقية في ركام غير شفاف من تلك المادة المركبة.. لكن المثل عنى في بداية الأمر ونهايته تلك البساطة التي نقصدها أحياناً كمبدأ في التفاعل مع حدث أو مشكلة معينة دون أن نعلم أننا قد نفقد بساطة التعامل في منتصف المسافة بين بداية موفقة ونهاية مؤسفة ولهذا وكما يجب أن لا تقع الشعرة في العجين, علينا أن نملك بعض المهارات التي نحاول بها السيطرة على الأحداث أو المشاكل التي نمر بها أو نقع فيها رغماً عنا, بحيث تكون تلك المهارات مزودة بالحدس الذكي الذي يجعلنا نستشف المدى الذي وصل إليه تعقيد المشكلة أو مقدار البساطة الذي تحمله طياتها, كما يجب علينا أيضاً أن نبقى على استعداد لتلك المفاجآت غير السارة التي يحملها الحدث والتي تشبه انقطاع الشعرة في كتلة العجين.
في الحياة أمور لا يمكن إدراكها إلا بوقوع النقيض منها ولهذا نشعر فجأة بأن ما رأيناه شراً لنا كان سبباً في وقوع الخير الكثير الذي يصيبنا دون حول منا ولا قوة ولهذا أيضاً نكتشف وعلى طريق الحياة الذي نعيش بعض الصفات التي لم نكن نعلم أننا نحملها كتلك الشجاعة الجبارة في مواجهة مصاعب الحياة التي لم نجد بها إلا حين وقفنا أمام الذات من الانكسار والنجاة بها من الولوج في نفق البغضاء والكراهية وشغلها بتحقيق وجودها كذات مستقلة وقادرة في الحياة أيضاً مايدفعنا على ترك الكثير من صفاتنا والاستغناء عن استخدامها كأسلحة فتاكة في وجوه الآخرين, يحدث هذا حين نجد ما يذيب تلك الصفات ويستبدلها بصفات أرقى وأفضل وأقرب إلى الإنسانية الحقة, انها ذات القصة التي جعلت أحد البشر يوماً يكتشف البساطة في شعره والتعقيد في كتلة العجين, وعلينا نحن أن نكتشف المهارات التي نملكها والأدوات المناسبة التي تساعدنا على استخراج الشعرة من العجين دون أن تنقطع.
ألطاف الأهدل
لماذا الشعرة؟ ولماذا العجين؟! 2238