يدفعنا وقود الحياة إلى الوقوع لا إرادياً في مواقف دينامكية واقعية وغير واقعية هي من تشكل تاريخنا الإنساني بكل ما فيه من خير وشر، وفي زحمة البحث عن الذات قد ننسى الكثير مما حولنا بل قد ننسى الكثير ممن حولنا.
يحدث هذا كل يوم مع أمهات وآباء يقفون أمام أبنائهم وجهاً لوجه بعد أعوام من الغربة تحت سقف واحد، في لحظة ما من عمرنا المنقوط باللحظات الغائبة عن الوعي نكتشف أمامنا شباباً وشابات، فجأة يصبح لهؤلاء تضاريس غائرة ومعالم بارزة تجعلنا نشعر أننا وصلنا آخر محطات الحياة بأقصى سرعة لعجلة الزمن، تصيبنا الدهشة من ردود أفعالهم وتغمرنا الغرابة من بعض آرائهم ونشعر أننا أمام أشخاص نراهم للمرة الأولى ونحاورهم كأشخاص ناضجين ومدركين.
أتحدث عن غربة تفرض نفسها علينا كقدر وضرورة ننسى على إثرها قراءة الصغار في منازلنا وفهمهم والنزول إلى أفنية قلوبهم البيضاء الطاهرة والتطفل بحكمة إلى أروقة عقولهم الخضراء اليافعة، لهذا يصل بعض الآباء والأمهات مع أبنائهم إلى طريق مسدود في حوارهم الأول مع الحياة ومتغيراتها الفطرية والمصطنعة، فتجد البعض منهم يضع والديه من أهم العوائق التي تتحول بينه وبين تحقيق طموحه التعليمي أو المهني أو حتى العاطفي وهذا يعود إلى وجود تلك المسافة الطويلة بينهما، فكلاهما لم يحيا مشاعر الآخر ولم يشهد طموحه ولم يقرأ أمنياته ولم يشاركه لحظات نجاحه وإخفاقاته، ولهذا أيضاً يجد أحدنا نفسه أمام أبنائه المراهقين حائراً بين أمرين كلاهما مُر؛ بين أن يعاقب نفسه أو يعاقب هؤلاء الصغار في عمر الزهور في الكثير من الشكاوى التي تصل إلى لمس حيرة آباء وأمهات تصل لدرجة اليأس أو يشوبها الكثير من الندم ومفتاح الحل دائماً في (اقرأ أو اسمع) لمهارات تربية الأبناء، وإذا لم تستطع هذا أو ذاك لسبب أو لآخر فكن منصتاً جيداً لهم ولا تحاول أن تسقط حياتك في عمرهم على حياتهم في هذا العمر، فالمتغيرات من حولهم أسرع وأكثر تعقيداً مما تتصور، لا تعدموا الحوار مع هؤلاء الأبناء فأجسادهم وعقولهم وعواطفهم تشهد تغيرات جذرية نحو النضج والنمو بسرعة عالية قد لا تستطيعون متابعتها بدقة ولهذا فقط كونوا إلى جوارهم.. وأجدي كعادتي دائماً أعود للماضي في طرح بعض الحكم التي تصلح أن تكون دستوراً قومياً! فمن قال: "إذا كبر ابنك آخيه" كان قد جمع كل الأساليب التربوية في جملة واحدة، لأن القرب من الأبناء عملية استطباب فورية لمعاناتهم مع مصاعب الحياة الداخلية على مستوى أجسادهم أو الخارجية الخاصة بمحيطهم الإنساني.
فيا أيها الآباء ويا أيتها الأمهات من لهؤلاء الرائعين إن لم تكونوا أنتم؟! لا تغفلوا عن كلمة هادفة وهادئة أو لمسة حنونة! ونظرة داعمة أو قبلة دافئة أو أحضان تحتوي أجسادهم وطموحاتهم التي لا حدود لها، أقسم أن أجمل شعور يغمرني بالثقة والطمأنينة والبهجة حين أحتوي أبنائي الشباب وأدعمهم بذلك الوصل الدافئ الذي استودعه الله قلوب الآباء والأمهات فقط والذي يشعر الأبناء بعيداً عنه بالغربة والجوع والعطش.
ألطاف الأهدل
في بيتنا غرباء 2101