إن البنية الاجتماعية السلمية هي الخلفية التي تظهر الطفل بشكل مقبول أو غير مقبول سلوكياً لأنها مقياس أخلاقي لحقل تجاربه المكتسبة من أفراد هذه البنية جيراناً وأقراناً ومعلمين، وقبل أن يخرج الطفل من رحم الأسرة إلى هذا المجتمع يجب أن يكون محصناً بلقاحٍ أخلاقي قادر على طرد الفيروسات السلوكية الضارة خارج عقله وقلبه، لهذا نقول إن الأسرة المترابطة سبب في وجود قوة المناعة لدى الطفل وطبعاً نعني هنا المناعة النفسية والأخلاقية التفاهم بين الزوجين حول الأسلوب التربوي المتبع في التعامل مع الأبناء من الأسس الأولى في تقبل الأبناء لذلك الأسلوب دون وجود أي تساؤلات حوله، بالإضافة إلى أن الاحترام والحب المتبادل بين الزوجين يؤدي بالضرورة إلى وجود نسبة عالية من الاستقرار النفسي لدى الأطفال وهذا بدوره يخلق تلك الثقة بالنفس لدى الأطفال والتي يفتقدها الكثير من الأبناء والذين يعيشون في ظل أسر لا يقدر فيها الأبوان بعضهم بعضاً، فما بالنا بأطفال يعيشون خارج نطاق أسرهم؟!..
بمعنى آخر أطفال يعيشون خارج دائرة الحنان والتقدير والرعاية والأسرية، إنهم أطفال الشوارع الذين لم يصلوا إلى هذا المكان إلا بعد أن تحطمت لديهم أشرعة الأمان والاستقرار والطمأنينة وفقدوا الإحساس بالدفئ الأسري إثر الانفصال العاطفي أو الفكري، الجزئي أو الكلي للوالدين، أولئك الأطفال الذين يفترشون مساحات الليل الطويل ويلتحفون لحظائه الباردة أصبحوا اليوم بالعشرات ولم يعد يجدي فقط أن يكون هناك دار واحد أو اثنين أو ثلاثة لإيواء مثل هؤلاء لأننا بإنشاء هذه الدور ربما ساعدنا على تفاقم المشكلة بشكل أكبر ودون أن نشعر وإنما الحل في إيجاد البديل الوقائي قبل أن نكون مضطرين إلى الوصول لمرحلة علاجية قد لا تجدي الأدوية فيها نفعاً، نحن بحاجة إلى حملات توعوية واسعة المجال وبحاجة لاستصدار قوانين تنظم حياة الأسرة وتنظم أمور الطلاق وتحفظ حقوق الأطفال بعد وقوعه، نحن بحاجة إلى إحياء التشريع الإسلامي الخاص بالأسرة، كما ورد في القرآن الكريم في أكثر من سورة قرآنية"، ((ولا تضاروهن لتضيقوا عليهم)) آية (6) سورة الطلاق، ((لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده)) البقرة (37)، (والصلح خير) النساء، (128) وغيرها من الآيات التشريعية التي بتطبيقها يتم ترميم النفوس وإصلاحها وتعديل ما انحرف من سلوكيات الإنسان في لحظة غضب أو حزن أو ضياع إحساس بالمسؤولية أو عدم إدراك لعواقب التفكير بالانفصال الأسري أو التلفظ به، نريد ثورة تفعيل لقوانين تسكن مطبوعات القضاء ومنظمات المجتمع المدني بدون تطبيق، أطفال الشوارع ليست بالمأساة الإنسانية العادية لأنها تمثل خسارة فاحدة في حجم الكادر الشبابي داخل الوطن بالإضافة إلى خسائر أخلاقية لا حصر لها تنتج عن الاستغلال السيئ والمشين الذي يتعرض له أولئك الأطفال في غفلةٍ تامة عن المجتمع المعروف بلا مبالاته وسوء تقديره لعواقب الأمور، أطفال الشوارع يأتون من محافظاتنا وحوارينا وجيراننا المقربين منا.. هم يأتون من بيوتنا، يغادرون قلوبنا لأنهم لم يكونوا يوماً أمام أعيننا، وما لم تراه العين لا يسكن القلب!..
ألطاف الأهدل
من أين يأتي أطفال الشوارع؟! 2167