مغامرة عسكرية جديدة يخوضها رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في غزة، متوخياً من وراء ذلك تغيير قواعد اللعبة وإعادة الإمساك بقوة الردع ليتم له توظيف ذلك في الانتخابات التشريعية المبكرة التي ستجري الشهر المقبل، ولكن وقائع الحرب الدائرة بينت أن المقاومة الفلسطينية لم تعد لقمة سائغة حيث عمدت إلى قصف تل أبيب وذلك للمرة الأولى في تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي.. وبداية انطلاق شرارة الحرب كانت عبر أقدام سلاح الجو للعدو الإسرائيلي على اغتيال نائب قائد "كتائب القسام" التابعة لحركة "حماس" احمد الجعبري ومن ثم ضرب أهداف قالت عنها تل أبيب إنها قواعد لصواريخ بعيدة المدى وأنها تمكنت من الإجهاز عليها .ولكن لم تمر سويعات إلا وكانت صواريخ المقاومة تتساقط على المستوطنات القريبة من قطاع غزة، ومن ثم تطور القصف الصاروخي ليصل إلى تل أبيب وإلى مناطق أخرى تبعد عن غزة أكثر من 75 كلم، مما أكد عدم مصداقية إسرائيل بأنها دمرت الصواريخ البعيدة المدى، كما وضعت قسم كبير من الشعب الإسرائيلي تحت مرمى نيران المقاومة فيما الإجراءات الاحتياطية التي اتخذتها القوى الأمنية الإسرائيلية كانت عبر الطلب من المستوطنين القاطنين على بُعد 40 كلم كحد أقصى عن قطاع غزة بالنزول إلى الملاجئ.
وبغض النظر عما أطلق نتنياهو ووزير دفاعه إيهود باراك من تهديدات ومن التلويح باحتمال اللجوء إلى غزو بري، فإن القيادة الإسرائيلية قد أخطأت في حساباتها العسكرية، الأمر الذي لابد أن ينعكس سلباً على المستوى السياسي على الطاقم الحاكم في إسرائيل الآن وذلك للأسباب التالية:
- إن إمكانيات المقاومة الفلسطينية العسكرية لم تعد كما كانت عليه في حرب 2008– 2009، بل تطورت كماً ونوعاً، حيث أثبتت الوقائع استخدامها صواريخ من "نوع فجر– 5" التي يصل مداها ما بين 75 و150 كلم كما استخدمت صواريخ من نوع "كورنيت" المضادة للدروع، وليس من المستبعد أن تكون المقاومة تمتلك أنواعاً أخرى متطورة من الأسلحة وقد تستخدمها في الوقت المناسب .
- إن العدوان الذي شنه نتنياهو على غزة قد استدعى تحرك مصر بشكل سريع التي سحبت سفيرها من تل أبيب وأوفدت رئيس وزرائها إلى غزة، ودعت جامعة الدول العربية ومجلس الأمن الدولي إلى اجتماعات عاجلة، مما يعني أن مصر محمد مرسي ليست مصر محمد حسني مبارك، خاصة وأن الأخوان الذين يحكمون مصر الآن لن يتركوا غزة .
- إن المتغيرات السياسية التي نتجت عن "الربيع العربي" في تونس وليبيا واليمن جاءت لمصلحة تقديم المزيد من الدعم للقضية الفلسطينية .
- كان نتنياهو يظن أن أكثرية العرب منشغلون بالملف السوري وأن بإمكانه أن يستغل هذا الواقع ليمرر ضربة عسكرية موجعة إلى حركة حماس، ولكن حسابات الحقل لم توافق حسابات البيدر . خطة "القبة الحديدية" التي كلفت إسرائيل وأميركا مئات ملايين الدولارات قد أثبتت فشلها في التصدي للصواريخ القادمة من قطاع غزة، أما عن مواقف المجتمع الدولي، فلم تكن مفاجأة لأنه من المعروف تاريخياً أن عواصم القرار في أميركا وأوروبا تعطي الأولوية لأمن أسرائيل دون أي اعتبار لمطالب شعب محروم من أرضه وحريته ولقمة عيشه.
وأغلب الظن أن تل أبيب لن تستطيع التورط أكثر في ملف الحرب في غزة، لأن ردود فعل الشارع العربي ستكون كبيرة، وحتى مواقف الدول الغربية المحايدة قد لا تبقى صامتة خاصة وأن موازين القوى غير متكافئة ما بين شعب يمتلك بضعة صواريخ وما بين دولة هي الأقوى عسكرياً في الشرق الأوسط.
كما أن إقدام إسرائيل على افتعال هذا العدوان هو بمثابة إحراج للرئيس الأميركي باراك أوباما في بداية ولايته الثانية التي وعد فيها ناخبيه بأنه سيدعم قيام دولتين في فلسطين، كما سيحرج القادة الأوروبيون وخاصة منهم الرئيس الفرنسي الذي يدعم بقوة المسار الديمقراطي في سوريا فيما يتجاهل العمل الإرهابي الإسرائيلي، وبعيداً عن كل ذلك فقد أعاد العدوان الإسرائيلي على غزة القضية الفلسطينية إلى الواجهة بعد أن كانت نائمة ومنسية في أدراج صنَاع القرار الدولي.
× رئيس مركز الدراسات العربي الأوروبي
د. صالح بكر الطيار
غزة تعيد القضية الفلسطينية الى الواجهة 2061