لابد أحياناً من وجود الحافز الذي يدفع الإنسان للإبداع وتقديم أفضل ما لديه من فكر وعاطفة وإبداع و.... وجنون!!.. نعم، فلعل شيئاً من الجنون أحياناً ينقذ أجهزتنا العاطلة عن العمل قبل أن تتلف تماماً بفعل ذلك الركود الذي تعيشه أوساطنا الأسرة والاجتماعية.
الجنون الذي أقصده لا يخرج الإنسان منا عن جادة الصواب ولا يفقده توازنه العقلي والعاطفي ولا يشوش عليه حقائق الحياة من حوله ولا يرغمه أن يعيش طفلاً بثوب أنثى أو جسد رجل.
الجنون الذي أعنيه هو ذلك الجنون الخلاّق الذي يخرجنا من دائرة التردد والخوف ويمنحنا الإحساس بضرورة مغادرة مساحات الماضي بكل ما فيها من سيء وجميل.
الجنون الذي أعنيه لا يبدأ بوسوسة قهرية ولا ينتهي بحجز جبري، لا يفتقد للمنطق ويتسم باللامعنوية، لا ينكر المحيط ولا يجحد وجود الذات، إنه أرقى أنواع الجنون الإنساني وأطهره على الإطلاق، الجنون يذيب كل معوقات الانطلاق ولا يقف عند فكرة التوقيت ولا يؤمن بأبجدية التفرد والتمييز وتطبيق قواعد الأمس البائدة على إنسان اليوم الغارق في بحر الفرص.
الجنون الذي أعنيه هو تلك الوثبة الرشيقة لقلوبنا نحو المجهول ومحاكاة رسائل الغيب المحفوفة بالخير والرحمة وحب الحياة، إنه ذلك الانطلاق المحموم بالحماس أمام آلاف الجدران ومئات الحواجز وعشرات العثرات التي تنتهي بمحاولة جديدة ناجحة.
هو ذلك الجنون الذي يطهر أعماقك من كل ذرة اتكال أو تواطؤ أو استكانة، جنون تحطم به عزلتك عن الآخرين الذين يرون في جمودك وبالاً عليك وفي شرودك هروب بعضك عن كلك، وفي صمتك ضياع لأبجدية السعادة والشقاء، الضحك والبكاء..
هو ذلك الجنون الذي تندلع معه نيرانك المحبوسة في قمقم روحك الموصدة بالأغلال.. هو ذلك الجنون الذي تطفو على سطحه ملامحك الواضحة دون أن تلغي معالمك الأمواج، إنه الوقود الموجّه والموجة التي لا تصل إلى الشاطئ إلا وقد حملت على ظهرها سفناً وافقاً ونوارس وبجعات راقصات.
هو ذلك الجنون الذي يحرك ذراتك بعكس اتجاه الريح ويعلمك الوقوف في وجه العاصفة ما دمت لا تملك أجنحة.
هذا هو الجنون الذي يجعلك أعقل الناس في عيني من تحب، لأنك فقط لم تطل الوقوف على أبواب قلبه حتى تغادر أسراب الطيور أعشاشها.
هو ذلك الجنون الذي يجعلك نهماً لالتهام الحياة، ولعق أصابعك بعدها واحتساء كأس الموت راضياً وكأنك في حوار مع النهاية التي يخشاها غيرك.. جنون يخرج المارد الجميل الذي يسكنك، مارد لا يخاف، لا يتردد، لا يسقط، لا يثير الغبار حول أنفه، جنون يحفزك لأن تعيش الحياة كما تحب وتهوى وترغب، جنون لا يظهر بشاعتك ولا يستعرض فيك قبحك ولا يصدمك بدناءة رغباتك، بعض الجنون يحيي ذلك الموت المؤقت الذي يخفي أجمل ما فينا.
ألطاف الأهدل
لابد من بعض الجنون 2156