تتعاظم صغائر الأمور أحياناً حين تصبح كالجبال المغناطيسية تلتصق بها أطنان الحديد منجذبة بقوة لا إرادية نحو مركز الطاقة الذي تبقى ذراته يافعة لا تشيخ أبداً.. والنتيجة تلك الأثقال المتراكمة من الأفعال وردود الأفعال الساقطة في بحر النوايا السيئة والتي تمنع صاحبها من رؤية الحقيقة كما هي بدون أي رتوش تخفي تفاصيلها الجميلة أو حتى البشعة.
يحدث ذلك فعلاً في كثير من بيوتنا وأكثر في قلوبنا حتى تتحول إلى مخلوقات بأرواح خشنة وبشعة وتتراكم على جنباتها أدران الغضب، حاجبة كل ومضة حب أو رحمة أو إشفاق تحاول أن تتسرب إليها عبر شقوق غائرة، لا يمكن أن تكون أبواباً لحكايات كبيرة لا تستوعبها تلك القلوب الصغيرة التي حال بينها وبين الحياة بعض الأمل.
يفعل الرجال ذلك أكثر من النساء لأن لديهم ذاكرة تتسع لشحنة كبيرة من الهموم الحياتية داخل المنزل وخارجه أيضاً، ورغماً عن الكثيرين منهم يحدث ذلك بفعل تلك المسؤولية الجسيمة التي يحملونها وهي تفرض عليهم فعلاً الوقوف على تفاصيل صغيرة واختبارها وأخذها على محمل الجد، لأنهم يمثلون الصورة الكاملة لعائلاتهم، لتبقى النساء بذلك رموزاً حية ومتحركة وأساسية، لكن خلف الأستار وبعيداً عن التفاصيل.. ومن هنا يتحول بعض الرجال إلى ديناصورات عملاقة روحياً، ضخمة عاطفياً، تشبه مشاعرهم تلك البالونة الخفيفة والجميلة المحمولة على متن الريح، خاوية من الإحساس برغم جمالها وبراءتها وقدرتها على الجاذبية.
رجال ديناصورات بقلوبهم ذات الجلد الخشن والسميك والتضاريس النافرة والأخاديد الصعبة والشقوق الوعرة والزوايا الأكثر غموضاً وخوفاً.. تشكو كثير من النساء من أزواج ديناصورات ربما ليسوا بتلك البشاعة التي تدعو للشكوى، لكنهم يبقون بعيدين عن لغة الود والقرب والرومانسية حتى تتجمد مشاعرهم وتتراكم عليها الأتربة النفسية، ويصبحون على ما يمسون عليه من الروتينية القاتلة التي تجعل الزوجات في حيرة من أمر أولئك الرجال، الذين تخفي ملامحهم الخارجية ما تفضحه تقاسيم قلوبهم، غير الراغبة في فتح الأبواب للنور والسكينة والراحة والهدوء.
أولئك الرجال من سكان الأكواخ الأخلاقية العتيقة الذين يظنون أن البوح بالمشاعر جريمة وإظهار الأحاسيس ضعف والكلام على ما يختلج في القلب قلة رجولة.
فيا أيتها الديناصورات ذات القلوب المرهفة والمشاعر الناعمة التي لا تخفيها تلك الشوارب النافرة والأطراف الخشنة والأجساد المكتظة بمسام واسعة.. تلك النساء اللاتي لا يستطعن فهم لغة الديناصورات قد يتحولن في لحظة ما إلى مخلوقات تغطي أجسامها الأشواك كالقنافذ تماماً، فحاولوا أن تنصتوا لذلك الصوت الخفيض الذي تصدره مخلوقات نابضة داخل صدوركم وصدورهن.