هناك أشياء لا تتكرر أبداً في الحياة مثل الأم والوطن أيضاً وسواها من الأشياء التي لا يمكن أن يكون لها مثيل مطلقاً. الوطن بجنباته المتحدة مع الأفق ومساحاته المتأهبة لاحتضان الشمس وسمائه التي لا تنطفئ نجمها ليل نهار أحد هذه الأشياء التي لا تتكرر وليس للإنسان يد في اختيارها هو هذا الجميل الذي حبسته المصالح في قفص الاتهام وألبسه التطرف ثوب العتق وقيدته الحزبية بأغلال المصالح حتى أصبح للحزب حصة وافية من كل مقاعد الحكومة الشوروية والوزارية والدبلوماسية وحتى المقاعد الأيدلوجية وصولاً إلى مقاعد ثورية تحاول أن تشتري الثورة لصالحها بأي وسيلة وأي ثمن ثورة المطالب المشروعة ليست مشروعاً استثمارياً وعقول الشعب الذي يؤمن بإنجازاته ليست للمقاولة والتفاوض والبيع والشراء وقبل أن تأتي اللحظة التي نجد فيها أنفسنا أيتام وطنية يجب أن نعي حجم ذلك التعاون بين ما نقول وما نفعل، لأن الواضح أن الكثيرين منا لازالوا تحت تأثير صدمة الخروج عن المألوف ولازال يعيش حالة قصور ذاتي دون أن يحاول فهم الفكرة العامة لحقيقة ما يجري في كل أرجاء الوطن العربي..
إن الاستمرار في ضخ البلازما السياسية في عروق البعض وشحذ همته لنشرها وتغيير مسار القضايا الوطنية إلى طريق التصفيات الفردية كل ذلك لن يؤدي إلى ولادة المجتمع المدني الجديد الذي يتغنى به الجميع، بل إن مجتمعنا انتقائياً سيظهر قريباً إذا لم يتم السيطرة على تلك الأصوات النشاز التي أفسدت سماء نشيدنا الوطني وأتلفت محيطنا الديمقراطي وأعادتنا إلى مجتمع ما قبل المشاعية البدائية حين لم يكن يفقه الإنسان من حياته إلا إشباع رغبة التطفل والبحث والتأمل في كون غريب ومتناقض وغير ثابت بكل محتوياته الطبيعية والبشرية بالإضافة إلى البحث عن بعض ما يسد الرمق إذا لم تكن هناك رفاهية غذائية كما هي عليه اليوم. وعلى كل حال فإن تلك الأصوات سابقة الذكر ستكون قريباً على موعد مع أثير من نوع مختلف جداً يستطيع مصادرة النبرات الشاذة إلى غير رجعة بالاعتماد على سيمفونية جديدة تستلهم أنغامها من حناجر الشعب وتؤمن بفكرة التمثيل الارتكازي الذي يتمحور حول العقلية الجمعية ويستقي من حبر قراراتها كل انجازاته ولا يستسلم لفكرة تفجير المواقف الغير اعتيادية في الوقت غير الاعتيادي، لأن ذلك يعني وجود تيارات دخيلة مغايرة للمضمون الجمعي كماً وكيفاً وهذا هو السبب الرئيسي في نقطة تحول الثورات من منطقة رأي حُر إلى مساحة قابلة للتفاوض وفق خروق سياسية تستخدم أسلوب التحجيم والسيطرة المفتعلة وتكميم المواقف الناطقة بإعلام مقنع (بتشديد النون) وموجة نحو إلغاء الفرص السانحة لإصلاح الخلل وتوثيق الأحداث من زاوية ممنوعة وغير لائقة ثقافياً... ليس للوطن بديل أو شبيه، ليس له توأم يحاكي وجوده، فلماذا نتعامل معه وكأنه سلعة مستهلكة؟.
ألطاف الأهدل
وطن لله يا محسنين 1872