يواجه سكان قطاع غزة, المحاذي لمصر, حرباً تدميرية قاسية تهدف إلى استئصال البني التحتية لحركات المقاومة الفلسطينية تحت مسمى (عمود الخيمة) بذريعة انطلاق صواريخ وقذائف من داخل القطاع مستهدفة المستوطنات الإسرائيلية، وهذه الجرائم ترقى إلى مستوى جرائم الحرب وتعد انتهاكاً صارخاً للقوانين الدولية ومواثيق حقوق الإنسان المقرة في ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتستهدف السكان الآمنين دون الأخذ بالاعتبار عشرات الآلاف من السكان المدنيين والأطفال والشيوخ والنساء .
ولأن غزة والضفة والقضية الفلسطينية برمتها تمر بمرحلة مفصلية حساسة وحرجة, نظراً للظروف التي تشهدها المنطقة بفعل ثورات الربيع العربي التي غيرت خارطة التحالفات والتوازنات والقوى المؤثرة وكنتيجة طبيعية للانقسام البنيوي الحاد في جسد القوى الفلسطينية المؤثرة خصوصاً حماس وفتح وكل فصائل منظمة التحرير الفلسطينية.. كل هذه المعطيات لها الدور الرئيسي في عدم اتخاذ مواقف جادة ومسئولة من دول المحيط العربي ترقى لمستوى الحدث تجاه هذه الاعتداءات المتكررة التي تمس الأمن القومي العربي في الصميم وتجعله في خطر ليس من مسئولية حركات المقاومة وحدها وإنما مسئولية الأنظمة العربية بالدرجة الأولى .
أمن غزة يتعلق مباشرة بالأمن القومي العربي المشترك وهو مسئولية كل الدول العربية بلا استثناء ووقوع الأراضي العربية مكشوفة الغطاء وغير مأمونة الظهر دون وجود قوة ردع عربية مشتركة توقف الاعتداءات المتكررة التي ينفذها العدو التاريخي والاستراتيجي للعرب وتصيب الكرامة العربية بمقتل بعد سقوط الشهداء والجرحى .
وهذه ليست هي المرة الأولى التي نكتشف فيها أن ظهورنا مكشوفة في العراء، فجيش الاحتلال الإسرائيلي مستمر باستهداف الأراضي العربية باتخاذ سياسة تقليم الأظافر تجاه أي قوى تشكل خطراً عليه وشاهدنا هذه السياسة الإستراتيجية في عدوانها على غزة ولبنان ومؤخراً في الغارات داخل الأراضي السودانية واستهداف ثمانية أهداف مختلفة في آن واحد.. وكل هذه الاعتداءات تكشف حجم الضعف الدفاعي والأمني للدول العربية وتمثل تحدياً وأولوية قصوى ينبغي أخذها بعين الاعتبار, خصوصاً دول الربيع العربي التي تواجه أول تحدٍ مصيري, مما يحتم على الأنظمة السياسية في هذه البلدان تحديداً عمل ميثاق شرف عربي للدفاع المشترك وإنشاء قوة مشتركة كضرورة حتمية وتحديداً ( مصر، تونس، ليبيا ) لتوفير الغطاء ولو السياسي لحركات المقاومة الفلسطينية كبديل رديف بعد فقدانها الغطاء السياسي من النظام السوري الذي انحرف عن التزاماته واتجه يقمع الشعب السوري وثورته وتنصله عن دعم القضية المحورية الأولى .
هذه الاعتداءات تشكل بالونة اختبار أمام دول الربيع العربي تحديداً وهي رسالة من الكيان الصهيوني الذي يجيد قراءة المتغيرات الواقعية الجديدة بدهاء ومكر ويعرف نقطة الضعف العربي وهو ما انعكس بدوره في توجيه رسائل بالغة الخطورة وتحديداً إلى مصر وجس نبض الموقف العربي ودرجة تغيير سياسة الأنظمة بعد موجات الثورات الجديدة والذي ينعكس بدوره على القضية الفلسطينية بعد انشغال دول الربيع بترتيب البيت الداخلي لكل دولة على حدة .
القضية الفلسطينية اليوم هي ترمومتر الصعود والنهضة للمشروع العربي الإسلامي المشترك ومن هنا تكمن أهميتها ولا بد أن تأخذ هذه القضية موقعها الطبيعي في صدارة الاهتمامات وبالتحرك الجاد والمسئول بعيداً عن العواطف وردود الأفعال الآنية وإنما باتخاذ سياسات وخطوات إستراتيجية بعيدة المدى تصب في مصلحة القضية والمنطقة على المدى المتوسط والبعيد، وبالتنسيق المشترك والحفاظ على المكاسب التي حققتها الثورات الجديدة وأن تكون التحركات محسوبة الخسائر والأرباح ولدى الدول العربية الكثير من الأوراق الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية لتشكيل قوة ردع يحفظ الأمن القومي الوقائي العربي, بما يجعل الكيان الصهيوني يحجم عن الاستمرار في انتهاكاته تجاه شعوب المنطقة .
يوسف الدعاس
غزة .. والأمن القومي العربي 2073