تزداد وتيرة الأحداث السورية وتتنوع إيقاعاتها كل يوم مكتسبة أرضيات جديدة لفرض واقعاً جديداً وسط تنامي مد الثورة شعبياً وارتفاع الأصوات المنادية بإسقاط النظام ورحيل الأسد من سدة الحكم بالتزامن مع التقدم الميداني الملحوظ للجيش الحر في ظل هدنة هشة لم يكتب لها النجاح والاستمرار لساعات بفعل نظام لم يعد لديه شيء كي يقدمه، وإنه قد فقد كل مقومات الاستمرار والبقاء ويسعى جاهداً لاصطياد الفرص وكسب المزيد من الوقت لإخماد الثورة الشعبية.
أصبح النظام السوري محاصراً ومحشوراً في زاوية الحل الوحيد المتمثل بالرحيل وهو ما بدأ يستشعره اليوم أكثر من أي وقت مضى وأن المصير المحتوم لم يعد سوى مسألة وقت فقط ولذلك هو يحاول رمي أوراقه واحدة تلو الأخرى في محاولة يائسة للمقايضة بالمواقف كالعادة ولكن دون أن يفهم أنه لم يعد الوضع ممكناً لأي مقايضة خلافاً لما مضى.
ولأنه نظام زبائني بامتياز يحاول تحين الأوقات المناسبة لعرض سلعه ومقايضاته بالتعامل مع المعطيات الميدانية بمنطق البيع والشراء ليقايض ويفاوض للإفلات من الضغوط التي يواجهها ففي حين تزداد الضغوط الداخلية بفعل الثورة والعمليات العسكرية الميدانية والضغوط الدولية الداعية لإسقاطه ورحيله فإنه يسعى للحصول على فرصة بقاء واستمرار بالضغط على المجتمع الدولي بالتلويح بأوراقه المتمثلة بالعلاقة والتحالف مع نظام الملالي في إيران ومع روسيا والصين وحزب الله في محاولة منه للإفلات من مصيره الحتمي بالسقوط.
لذلك يحاول النظام جاهداً جر المنطقة والدول الإقليمية للدخول على خط الأزمة نتيجة العزلة التي بات يعاني منها ويسعى جاهدا للحصول على موقف مباشر بالوقوف معه والتدخل عسكرياً لصالحه من قبل أي من حلفائه بتفجير الوضع بالمنطقة بأسرها كما صرح سابقاً في أكثر من موقف حتى يتم المقايضة به بعد ذلك.
في الفترة الأخيرة بدأ النظام السوري ممارسة هوايته المفضلة بتحريك ورقته المتمثلة ببقايا نفوذ يتمتع به في لبنان جراء الارتباط الوثيق بفعل عامل المصير المشترك والتهديدات الإسرائيلية للبلدين الجارين قبل أن تخرج قواته من هناك بفعل الأحداث التي شهدتها بعد تداعيات اغتيال الرئيس رفيق الحريري ولموقع لبنان كساحة خلفية، بدأ النظام اللعب بورقة ضرب الاستقرار في هذا البلد عبر أنصاره وعملائه باستخدام سلاح الاغتيالات وهو ما يبدو واضحا من تدبير اغتيال اللواء وسام الحسن المعروف بمواقفه المعارضة للتدخل السوري في لبنان في محاولة لخلط الأوراق خارج الساحة السورية بعد فشله في إخماد الثورة الشعبية في الداخل.
وكما يلاحظ المراقبون سعي النظام السوري لجر تركيا إلى ساحة المواجهة معه باستفزازاته المتكررة في حينها عندما قام بإسقاط طائرتين حربيتين تركيتين وتعمد إطلاق القذائف والصواريخ إلى عمق الأراضي التركية حتى يفرض على المنطقة واقع جديد يتمثل بالمواجهة الشاملة وإشعال المنطقة بأسرها وهو ما بدا مفهوما للقيادة التركية بعدم الاستجابة لتلك الاستفزازات بعد أن استشعروا خطر الدخول المباشر في مواجهة مع النظام السوري دون غطاء المجتمع الدولي.
تحرشات النظام السوري لم يسلم منها حتى جاره الأردني الذي يعاني بشكل كبير جراء تدفق الآلاف من السوريين للجوء إليها حتى تلك القيادات المنشقة عن النظام بعد ازدياد وتيرة المواجهات بين الجيش الحر والنظام لدرجة تفوق قدرة الأردن على استيعاب الإعداد المتزايدة للاجئين إذ لم يكتفي النظام السوري بذلك وإنما قام بدس أفراد من مؤيديه ومن شبيهته في صفوف اللاجئين السوريين في الحدود مع الأردن وتزعمهم أعمال شغب ومواجهات مع السلطات الأردنية في محاولة للضغط عليها وتنفيذ استفزازات عسكرية وإطلاق قذائف إلى الأراضي الأردنية وآخر ما تم الكشف عنه قيام النظام السوري بدس بعض من أفراده إلى وسط الحراك الشعبي الأردني المنادي بالإصلاحات ومحاربة الفساد في مسيرة عمان الأخيرة لقيادة مواجهات مع الأجهزة الأمنية الأردنية وهو ما كشف عنه ناشطون أردنيون وسوريون وكما أوضح أحد السياسيين في برنامج الاتجاه المعاكس على قناة الجزيرة الثلاثاء الماضي في محاولة تصدير الأزمة السورية لخارج الحدود.
ممارسات النظام السوري لم تسلم منها حتى المخيمات الفلسطينية في الأراضي السورية الذي استهدفها بالقصف المباشر بالقذائف والصواريخ بعد أن كان يدعي هذا النظام بأنه حامي المقاومة وبأنه متزعم تيار الممانعة ولكن ما يبدو انه يجيد فن البيع والشراء وتسجيل المواقف بدعمه لحركات المقاومة الفلسطينية ولكن ما ظهر هو أنه تاجر بالقضية الفلسطينية في سوق النخاسة الذي يرتاده دوماً النظام الإيراني في تصدره للدفاع عن القضية الفلسطينية وان ما كان يقوم به لا يتعدى ادخار أوراق مقايضة لوقت الشدة، في مشهد يعيد للأذهان المذابح الذي نفذها الأسد الأب تجاه الفصائل الفلسطينية في سوريا سابقاً وهو ما دفع بالشيخ رائد صلاح في تعليقه على استهداف الفلسطينيين في سوريا بتصريحه قائلاً: إن السلاح الذي قتل الفلسطينيين اليوم هو السلاح نفسه الذي قتلهم في السابق.
النصيب الأكبر من الاستفزازات والتحرشات تلك التي وجهها النظام السوري لتركيا نظراً لما تمثله من ثقل إقليمي ودور محوري في دعم الثورة السورية واحتضانها لقيادات الجيش الحر على أراضيها وتنظيمها مؤتمرات المعارضة السورية وتحركها الدولي الحثيث لحشد الجهود لإنهاء الأزمة الذي باتت أكبر المتضررين باستمرارها من خلال تدفق اللاجئين و معاناتها من تبعات استمرار نظام كهذا النظام الوحشي وتأثيره المباشر عليها الذي لم يترك ورقة إلا واستخدمها ضد الدولة التركية ومن هذه الأوراق الورقة الكردية الذي دخل النظام السوري فيها وقدم دعما لحزب العمال الكردستاني ووقوفه وراء التصعيد الأخير الذي قام به الحزب مؤخرا في مواجهة السلطات التركية لا شغال النظام التركي بقضاياه الداخلية وبإيصال رسالة بأنه لديهم من الأوراق ما يكفي لثنيه عن دعم الثورة السورية وهو ما استوعبته القيادة التركية إذ أبدت استعدادها التفاوض والحوار المباشر مع الزعيم الكردي عبد الله جول وتعهدها بتقديم الحلول للقضية الكردية لتقطع الطريق على أن تشكل هذه الورقة المؤرقة لتركيا تهديداً لابتزازها مستقبلاً.
في الأخير من خلال رصد ممارسات النظام السوري يتضح أنه لم يكتف بارتكاب المجازر تجاه شعبه وإنما فقد صوابه وأصبح يوجه نيرانه باتجاه الجميع وعدم التفريق بين شعبه و الجيران والأصدقاء في محاولة لخلط الأوراق وغدا شبيه بثور هائج يحاول الارتطام بأي شيء يصادفه هرباً من المصير المحتم.
يوسف الدعاس
النظام السوري : الأوراق الخارجية في مواجهة الثورة في الداخل 1709