الوطن هو الوعاء الكبير الذي يجمع أطيافنا الدينية والسياسية والاجتماعية بمنتهى الخصوصية ودون أن يشترط انحصارها أو يتحكم في اتجاهاتها أو يحد من احتمال سيطرتها على سواها..
هذا هو الوطن الذي نعيش على مساحاته في ثنايا موجةٍ واحدة تتدفق نحو الشاطئ دون أن يكون لها خيار العودة من جديد، وطن متغير الاتجاهات لكنهُ موحد الوجهة، تهز أركانه قلقاً لكنهُ يثبت إذا كان الخطب أجل مما يوصف وأعظم مما يطلب وأقسى مما يحتمل، لأنه وطن المزايا والمتغيرات والسمات السياسية والاجتماعية والدينية والثقافية التي جعلت أنظمة الحكم المتعددة على مدار العقود الماضية أنظمةً موازية لاتجاه النسيج القبلي، لكنها متعامدة على بنية اجتماعية ركيكة ومضغوطة نحو الانفتاح المشروط ولو كان ذلك على حساب معطياتها التاريخية.
نحن نعيش تقريباً على مساحة بركانية خاملة ببناء اجتماعي هش ورؤية فكرية معقدة جاءت كنتاج طبيعي لانعدام وجود فكرة وطنية عامة بهدف وطني واحد.
والنتيجة هي تلك المرسومة على ساحات الوطن اليوم، تلك الساحات التي بدأت بفضاء سياسي رحب ومتطلع ومتسامح وانتهت اليوم بثكنات عرقية واتجاهات طائفية وأوراق قبلية معنونة بسوء النية.. وشباب بلون الوطن وقوامه وبنكهته الرائعة يحاولون أن يمسكوا بالعصا من منتصفها، ثم لا يجدون من يقف عوناً لهم حتى لا تسقط العصا وتنحني ظهور أبناء الشعب بحثاً عنها في حفرة التبرير السياسي الذي لا تستطيع ترجمته كتب التاريخ إلا أنهُ خيانة عظمى لله ثم لهذا الوطن.
الوطن كتاب الأحداث وأجندة المهات الصعبة وهو فقط من يحتوي هفوات الشعوب ويوقف إزلاقاتها المتكررة عبر العنف إلى بؤرة الضلال والتضليل، الوطن دفتر الهويات الذي لا يخلط الأنساب والأزلام والعروق والفصائل ولا يشعل في تلابيب الإنتماء ولا ينفث في عقدة الانقسام كما يفعل بعض رموز الساسة والمتسولون باسم الوطن!.
وإذا كان هذا الوطن هو الأم التي بذلت الكثير ليقف بين يديها شعب بهذا المقام إلا أن وجود العاقين من أبنائها قد يعرقل فرحتها بشعب يهز الأرض تحت قدميه حافياً دون أن يحبس انكسار الشمس عند الأصيل أو يمنع ارتداد النور وقت الفجر أو يزحف عبر نوافذ الليل إلى عالم المجهول، هو شعب يعرف تماماً حدوده الإنسانية ويستوعب فرصة الحضارة قبل رحيل القافلة ويستطيع الوصول إلى صناعة القرار غير المشروط عبر آلية حوار واحدة تتطلع إلى يمن أسعد وأقوى وأكثر تكيفاً مع مسار الديمقراطية التي لا تقف عند حد الترشيح والتصويت والانتخاب ولكنها تتجاوز ذلك أيضاً إلى إمكانية تسليم الملفات الثورية وتغليف أوراقها المكشوفة لمن يستحق أن يكون مبدعاً في إعادة تنظيم أولوياتها على مائدة سياسية واحدة لا تتعمد فصل الشعب عن النظام أو العكس، لأنها تؤمن بالوحدة ككل وليس كجزء.
ألطاف الأهدل
الوحدة كل وليست جزء 1969