× يبدو أن هناك علاقة وثيقة بين الكراسي والأنظمة العربية، فالكرسي عند الأنظمة يعني فيما يعنيه الأبدية بمعنى زواج كاثوليكي، فالرئيس العربي عندما يجلس على كرسي الحكم لن يقوم ابداً إلا بموته وهكذا تكون الكراسي فخمة، مذهبة، مشغولة باتفاق وأعني الكرسي الأول لا مثيل له، وللجلسة على كرسي الرؤوساء نشوة وربما حالة خاصة هي أقرب إلى اللاوعي منها إلى الوعي وإلا لماذا ـ ينتفخ الزعماء العرب فجأة بعد توليهم المناصب ويبدأون بالخطابات الرنانة التي تبدأ بعبارة "وإننا" و"نحن" بمعنى هو.. خطاب العظمة التي لا تخلو من غرور..
× عندما كنتُ صغيرة في المدينة التي ولدت بها في شرق السودان وكان ذلك في عهد المشير/ جعفر تميري رحمه الله هو وكل الزعماء "ابوكرسي" شاهدت في الحي الذي نعيش فيه حركة بيع وشراء لأثاثات مكاتب الحكومة.. قلت لأمي يومها وببراءة واستغراب لماذا تباع كراسي المكاتب في الحارة أليست كراسي الدولة؟
طبعاً شكلها يبين أنها كراسي مكاتب حكومية.. ردت أمي التي كانت مستاءة من الوضع بسبب الغلاء وتدهور الأحوال: يا بنتي عندما تنهار الحكومات أو تضعف يباع كل شيء..!! هذا الكلام ظل في ذاكرتي وظللت أردده كلما شاهدت حالات مماثلة أي أن للكرسي مؤشراً سياسي خطيراً.. عندما يهتز أو ينكسر أو يسرق أو يباع، فسليمان عليه السلام أنبأت الكرسي عن نهايته وموته حيث أكلت دابة الأرض كل ما هو خشبي وانهار.
× كراسي السلطة بالطبع ليس ككراسي المعارضة، فالأولى مثيرة وناعمة ولا تجعث الكى والهندام والثانية كراسي فيها من الخشونة ما يحتمله النضال إلى أن يصل المناضلون إلى السلطة ويبدأ تبادل الأدوار..
× قيل أن الرئيس أوباما = هذه نكتة = كان واقفاً يسلم على زعماء جالس سأله مستشاروه لماذا سلمت عليه وأنت جالس؟
رد: هذا لو رأى الكرسي سيجلس عليه ولن يقوم ابداً..
صدقوني للسلطة بريقها ولا أحد يلوم الزعماء العرب والشخصية العربية تحب الزعامة والتسلط وفيها قدر من حب السيطرة ولا تؤمن ـ بالديمقراطية والرأي والرأي الآخر.. وقلما نجد زعماء عرب ديمقراطيين لإننا أيضاً كشعوب لا نساعدهم على أن يكونوا ديمقراطيين، فمثلاًً الوالد المسيطر في البيت يخلق شخصيات مهزوزة وأبناء أقل ثقة بأنفسهم إلا من كان محبباً لوالده أو مقرباً.
×عودة إلى الكراسي، كراسي الدولة، التي تخصص للموظفين هي عادة كراسي دوارة لحكمه طبعاً حكمة الغرب هي سرعة الحركة، وبالتالي سرعة الانجاز في بيئة العمل ولكن نحن كراسينا دوارة لأن الزمن دوار ولو دامت لغيرك ما وصلت إليك.. لذلك ملاحظ عندما يحدث دور تسليم بين المدراء أو الموظفين يقدم الموظف المعزول بتخريب كل ما كان بعهدته نكاية بالآخرين وبالمؤسسة والدولة..
× الكراسي والأنظمة، حيث لا بد أن يكتب على كراسي الرئيس أي رئيس عربي "مؤقت".. حتى يعي أن هناك زعيماً آخر ينتظر دوره أو زعيمة. نعم ربما تكون زعيمة فنحن نتوقع في الانتخابات القادمة إما أن يخوض المشير/ عبدربه منصور هادي الانتخابات لفترة رئاسية ثانية أو تترشخ امرأة قوية لمنصب رئيس الجمهورية لنعيد لتاريخنا اعتباره، فالمرأة الحاكمة في اليمن ذات سيرة ناصعة ووحدودية حتى النخاع ولن تتمسك بالكرسي مهما كان لمعانه ومغرياته..
× الشيء المضحك والمبكي هو عندما يتم الاعتداء على دائرة أو مؤسسة حكومية ترى "السرق" حاملين كراسي المؤسسة، أي قال الشعب ما السر وراء سرقة الكراسي من المكاتب إلى البيوت؟
محاسن الحواتي
الكراسي والأنظمة.. 1916