لا تتوقف أقدارنا حتى نتوقف عن احتساء أقداح الحياة بحلوها ومرها، خيرها وشرها، طيبها وخبيثها، ونعتقد وفق فطرتنا الإنسانية القاصرة أن حدثاً ما أصابنا أو وقف في طريقنا أو حال بيننا وبين ما تشتهي أنفسنا لسبب نعلمه حساً أو معنى، لكن الحقيقة في كتاب الغيب تقول بعكس ذلك، إنها الحكمة التي لا يعلمها إلا ملك السماوات والأرض والتي لأجلها تنسق أحداث الحياة وتتناسق وتيسير في أفواج مزدحمة، لكن منظمة بينما قد نراها نحن عشوائية وقاتلة لطموحاتنا وتوجهاتنا الدنيوية القاصرة، هذه الحكمة الخفية.
والمشيئة النائمة في رحم الغيب هي ما تفسر إفتراق المحبين ونقاء الغرباء، فشل بعض مشاريعنا ونجاح أخرى، سيرنا في طريق ما لم نكن نحمل نية السير فيه، مكالمات هاتفية لم نكن نتوقع أن يصبح أصحابها أقرب ما يمكن بعد أن كانوا أبعد ما يمكن عنا زماناً ومكاناً... أحياناً تصيبنا الدهشة ويتغشانا الخوف من أحداث تمشي جمراً وتصبح رماداً وأحداث أخرى تكسونا على إثرها القناعة ويتملكنا أمامها الرضا وقد كانت أسوأ ما رأت أعيننا وأقسى ما استوعبته قلوبنا، لكنه القدر الذي يميت رغبات ويحيي أخرى لم تكن لنا يد في موتها! وحياتها، لهذا يجب أن تهدأ تلك القلوب المشتعلة وتبرد تلك النفوس المستعرة وتنام آمنة تلك الأعين الغارقة في بحر الأحزان وتحاول أن تفتر عن ثغر لؤلؤي تلك الشفاة المطلية بزئبق الحشرات، لأن القدر لا يخطئ والحكمة الإلهية لا يمكن أن تضل الطريق وسطور اللوح المحفوظ لا يمكن أن تلغيها ممحاة التواكل والركون إلى النفس، وما أصاب لم يكن ليخطئ وما أخطأ لم يكن ليصيب.. لهذا فإن من كمال إيمان المرء الإيمان بالقدر خيره وشره ومن كمال خلقه الصبر على هذا الشر وحسن استغلال فرص الخير ومن كمال عقله أن لا يسأل المعدوم حتى لا يُحرم المعلوم وكل ما هو متاح أمام الإنسان رزق لا ينبغي أن يتجاوزه بطموح غير مشروع أو تراخٍ غير محمود، لأن ما يلقاه المرء أو يراه أو يكسبه أو يفقده قدر محتوم، خاصة مع أخذ الإنسان بالأسباب ظاهرها وباطنها ومن أهمها الاستقامة والدعاء وتفويض الأمر لصاحب الأمر والنهي.. للقدر رأي آخر لأن السماء ليست كالأرض أبداً..
ألطاف الأهدل
للقدر رأي آخر.. 2111