من منجزات النظام السابق أنه جعلنا عندما نسمع ذكر اسم القبيلة يتبادر إلى أذهاننا قطع الطريق وضرب أبراج الكهرباء وتفجير أنابيب النفط والغاز والقتل العمد العبثي وثقافة الثأر ونهب المال العام والسطو على الأراضي والاختطافات، هذا هو مفهوم القبيلة عند الكثير من أبناء الوطن، فقد كرس هذا المفهوم من خلال السلوكيات الخاطئة والجرائم التي يرتكبها بعض المشايخ وأبناء القبائل خلال الثلاثة العقود الماضية وحتى الآن..
والحقيقة أن هذه السلوكيات ليست سلوكيات أصيلة في القبيلة ولكنها دخيلة على سلوك وقيم القبيلة بفعل فاعل وبتشجيع ودعم من قبل النظام وسخر لها كل الإمكانات وتجد الرعاية وتكافأ من الخزينة العامة للدولة، بل إن من يقوم بهذه الأعمال الإجرامية تسهل له الترقيات والتعيينات ويجند له المرافقون بالمئات ويقرر له الاعتماد بالملايين عندما يصل إلى درجة "أحمر عين" ولهذا أصبح بعض المشائخ وبعض أبناء القبائل يتسابقون لارتكاب مثل هذه الجرائم ويتفننون في تحديث وابتكار الطرق والوسائل حتى يصل الواحد منهم إلى درجة "أحمر عين" فهي أعلى درجة علمية عند النظام السابق لا ينالها إلا من سهر الليالي حتى يصبح أثره ملموساً على مستوى الوطن ويعرفهم الجميع بمنكراتهم وجرائمهم وسعيهم في الأرض فساداً.
وهذا كله من منجزات القيادة الحكيمة، فأصبحت النفس البشرية لا قيمة لها والمال العام لا حرمة له والضعيف لا سند له وكل واحد يأخذ وينهب حسب مقدرته وقوته إذا لم يكن له دين يمنعه أو ضمير يردعه.. بينما إلى ما قبل وصول النظام المعجزة إلى سدة الحكم كان للنفس البشرية حرمة وللمال العام قدسيته.
ولكي أدلل على ذلك من الواقع العملي أذكركم بما حصل مع الفريق حسن العمري وهو أحد أبطال حرب السبعين يوماً وممن دافعوا عن صنعاء باستماتة ضد الملكيين وهو قائد الجيش ورئيس الوزراء آنذاك ومن حيث القوة العسكرية والنفوذ كان يعتبر الرجل الأول في اليمن ورغم كل ما ذكرنا، فعندما حصلت حادثة المصور التي نسمع بها جميعاً وقتل على إثرها المصور فرغم الملابسات في القضية ونظراً لقدسية النفس البشرية لم تسعه اليمن وشعر الجميع بما فيهم الفريق العمري بفضاعة هذه الجريمة وضاقت عليه اليمن بما رحبت، فلم يكن أمامه إلا الرحيل، فرحل من اليمن وهو في أوج قوته وبقي في الخارج حتى توفاه الله.
ومثال آخر ما حصل مع الرجل القوي صاحب النفوذ والقبيلة الشيخ احمد عبدربه العواضي محافظ تعز في ذلك الوقت فعندما قتل صاحب التاكسي من قبل احد مرافقيه ولست هنا بصدد شرح الحادث وذكر ملابساته، فبغض النظر عن التفاصيل، فقد شعر هذا الرجل القوي بحجم الجريمة وسلم نفسه هو ومرافقيه وتوقف في السجن بقصر السلاح وكانت نهايته بسبب هذه الحادثة وهو الرجل الذي كان يتمتع بالشهامة والمروءة وكان له دوراً فاعلاً هو وقبائله في فك الحصار عن صنعاء وفتح طريق تعز صنعاء في نقيل يسلح وكل هذه الصفات النبيلة والمواقف البطولية لم تحل دون توقيفه وهذه النهاية المؤلمة.
ومن الصفات الجيدة للقبائل أذكر أنه في عهد الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي كانت العلاقة متوترة بين النظامين اليمني والسعودي ومنعت الحكومة اليمنية سفر اليمنيين إلى السعودية للعمل وبعكس ذلك سهلت الحكومة السعودية دخول اليمنيين إلى أراضيها بأي وثيقة يمنية وبدون تأشيرة من الجهات اليمنية أو ختم خروج من المنافذ، مما اضطر بمئات الآلاف من اليمنيين من التهرب إلى السعودية خشية من القبض عليهم من قبل السلطات اليمنية وكانوا يمرون عبر مناطق القبائل في ذمار وصنعاء وعمران وصعدة ويلقون الحماية من كل قبيلة حتى يصلوا إلى ارض القبيلة الأخرى ولم تسجل واقعة واحدة خلال تلك الفترة بأن أحداً من أبناء تلك القبائل اعتدى على أحد المسافرين بهدف النهب أو الإساءة بنعرة مناطقية أو طائفية، بل أنهم كانوا يلقون الرعاية ويقدم لهم الطعام كضيوف كرام وعابري سبيل أمنهم من أمن القبيلة.. كل ما ذكرناه من أمثلة على قيم القبيلة في الماضي القريب برهان على أن قيم القبيلة كانت سليمة وأخلاق القبائل ترفض الظلم وهذا لا يعني أن القبائل خالية من الأخطاء ولكنها إذا وقع الخطأ من أحد أبنائها تردعه قيم وأخلاقيات القبيلة قبل أن تعيبه القبائل الأخرى.
ثم تبوأ حكم اليمن نظام استهدف القيم والأخلاق والمروءة كما أسلفت، فأفسدها عند الكثير فكان فساد القيم والأخلاق أشد أنواع الفساد فتكا على مجتمعنا اليمني، فانعكس ذلك على إفساد كل مناحي الحياة ولله در القائل:
وإذا أصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتماً وعويلاً
ولكم أن تقارنوا بين ما ذكرت من وقائع وبين الجرائم التي وقعت في هذا العهد وهي كثيرة لا حصر لها وبطرق أبشع وكيف يتم معالجتها، ففي أحسن الحالات يكون الضحية البقر التي تذبح دون ذنب اقترفته.
ولذلك انطبع في أذهان الكثير الجانب السلبي الطارئ على قيم وسلوك القبيلة، بينما سلوك القبيلة الأصيل ليس هذا، فالقبيلة كانت تتفاخر بالكرم ونصرة المظلوم وروح التعاون والنبل واحترام وإكرام وحماية الغريب الذي يحل بدارهم أو يمر عبر مناطقهم وإذا أقدم أي فرد من أفراد القبيلة على ارتكاب جرم أو مارس سلوكاً مشيناً كانت القبيلة تردعه بقوة وتنصف المظلوم منه لإيمانها أن جريمته هذه وسلوكه اللاأخلاقي يعتبر جريمة بحق القبيلة ويلحقها العار بين القبائل.
وكان للقبيلة وأبنائها دور فاعل في كل الثورات اليمنية ولا يخفى على أحد دور أبناء القبائل في إذكاء الثورة الشبابية السلمية وحماية الثوار السلميين، فسقط منهم الشهداء وجميعهم لم يدعوا أنهم قادة الثورة والمسيطرون عليها كما يشيع الخصوم من أعداء الثورة، بل أنهم خرجوا مؤمنين بأهداف الشباب التي خرجوا من أجلها مطالبين بتأسيس دولة النظام والقانون والمواطنة المتساوية، فطالما وهذا شعارهم ويعلنوه للعالم أجمع، فلمصلحة من ترتفع أصوات معادية لهم وتسل أقلام البعض ضد توجههم هذا! في الوقت الذي ندعو فيه من حملوا السلاح ضد الشعب اليمني سواء في صعدة أو الحراك المسلح أو القاعدة ندعو هؤلاء جميعاً للحوار المفتوح الذي لا سقف له رغم جرمهم ! تالله أنها قسمة ضيزا لا عدل فيها ولا منطق سليم.
لا شك أن من يقومون بذلك البعض منهم مدفوع الأجر لهم مقدما لإحباط الثورة بشق الصف وضربهما ببعضهما وقلة قليلة انطلت عليهم حيلة هؤلاء واعتقدوا أنهم برفضهم لهذه الشريحة المهمة والفاعلة في المجتمع إنما يخدمون الثورة وبالتالي يخدمون الوطن، والأصل أن كل مخلصي الوطن يباركو مواقفهم الوطنية ويشجعون هذا السلوك الحضاري المتقدم لأبناء القبائل وشيوخهم ويخطو الجميع خطوات عملية صادقة نحو تحقيق الهدف النبيل "دولة النظام والقانون والمواطنة المتساوية لكل أبناء الوطن".. وبالتالي يكون موقفنا و حكمنا على أي فئة أو جماعة أو منظمة أو قبيلة أو حزب من خلال مواقفه العملية مع أو ضد هذا التوجه لتحقيق حلم الشعب اليمني الذي ضحى بالغالي والنفيس لأجل تحقيقه.. نسأل الله أن يرينا جميعاً الحق حقاً ويرزقنا اتباعه.
× عضو مجلس النواب
محمد مقبل الحميري
القبيلة وحمران العيون 2492