لست وحدي من يتحدث عن مشاعر مشوهة وأحاسيس منكسرة وعلاقات إنسانية مبتورة، على مستوى الأسرة بين الأبناء والآباء، بين الإخوة، بين الجيران والأقارب وحتى على مستوى الإنسان ونفسه التي أصبحت غريبة عنه حد الهجر والانفصال! فلماذا أصبحت حياتنا خالية من الدفئ؟ لماذا أنشغلنا بتوفير الطعام ونسينا بعضنا حتى من السلام؟ لماذا اخترنا الصمت بديلاً من الكلام؟! لماذا أصبحنا نخاف الحب ونخشى الألفة ونرهب الدفئ؟!
هل نفعل ذلك خوفاً من الخيانة ونكران الجميل؟! هل نفعله هروباً من تحمل مسؤولية الآخر؟! أم أن مستوى الإيمان واليقين وصل حد التلاشي في قلوب لم تتعرف بعد على خالق عظيم ورب كريم هو المتكفل بإصلاح كل ما استعصى من أمور البشر؟! ما الذي يحدث؟! وأين يبين الخطأ؟!..
في الحقيقة إن هذه القلوب القاسية التي باتت تئن خلف أضلاعنا لا ذنب لها في كل ما يحدث لأن عقولنا هي المسؤول عن شحنه الحب أو الكراهية أو الصلاح أو الفساد الذي ملأ قلوبنا، لأن لدينا عقولاً لم تستوعب على ما يبدو حجم مساحة القوة والضعف، الخوف والأمن، القسوة واللين وكل ما يملك البشر من مشاعر، كلنا يستخدم مشاعره كأداة سلطوية مسرفاً في التلويح بها كأداة عقاب تفعل ما لا تفعله العصا والسوط واللسان السليط.
نعم كلنا يفعل ذلك، الزوج يستخدم رابط الزوجية كسلاح يشهرهُ في وجه الزوجة كل يوم وكأن الطلاق هو نهاية العالم، والزوجة تلوي ذراع الرجل عاطفياً وكأن فراشها أسطورة لا يمكن أن تتكرر، الآباء يقسون على أبنائهم قسوة غير مبررة، فقط لأن سلطتهم الأبوية تمنحهم صلاحية الوقوف في وجه أبنائهم، لكن دون تفكير في عواقب ما تصنع أيديهم من التفريط في حق الطفولة والشباب، الأمهات اللاتي يشربن كأس الظلم من أزواجهن يمارسن أيضاً فرض أحاسيسهن المشوهة على بناتهن اللاتي لا يجدن إجابة لهذا السؤال الملح، لماذا تقسو أمي عليَّ كل هذه القسوة؟! رؤساؤنا في العمل أيضاً يخرجون مشاعرهم المشوهة من عزلتها كل يوم في شكل مواقف وردود أفعال منفرة تفقد موظفيهم الثقة وتكسر في أنفسهم حاجز الحب والاحترام لرئيس عمل لا يملك عاطفة الاحتواء تجاه موظفيه.
كلنا يستخدم مشاعره كسلاح ضد الآخر، كلنا يستغل نوع سلطته ليجتن مبرر لقسوته وفضاضة ألفاظه، أصبحت مشاعرنا مشوهة لأننا رفعنا جانب المادة وأبقينا جانب الحس خفيضاً راكداً، أغلقنا كل منافذ الوصول إلى المحسوس من مشاعرنا واكتفينا بأبواب مشرعة تفضح مشاعرنا الملموسة صوتاً وصورة. كلنا يفعل ذلك لأننا تجاهلنا قاعدة إنسانية هامة تكمن في تفاوت نسبة الإحساس بين الناس، فبينما يقتل الصمت أشخاصاً مثلاً إلا أنه وفي نفس الوقت يعفي آخرين من ردة الفعل المنمقة بالنفاق والخداع والكذب، كلمات فقط قد تحيي إنساناً أو تحكم عليه بالموت مع إيقاف التنفيذ..
ألطاف الأهدل
لماذا أصبحت مشاعرنا مشوهة؟! 2233