أرى البعض غريباً في طرحه لهموم وقضايا اليمن، وكأنه حين يتحدث عن وطنه يتحدث عن بلد نامية، حقيرة، ضحلة، يتحدث عنها مترفعاً وكأن أمرها لا يعنيه لمجرد أن لديه أوراقاً ثبوتية تربط حذوره ببلدٍ آخر شكلاً لا مضموناً! لكن لا أحد يأبه لهؤلاء الحمقى حين يصورون اليمن وكأنها طفلة لقي مجهولة الأصل والنسب لأن اليمن مهبط الحضارات وأم الثقافات.
ومن هنا فقط انطلقت قصص الوطنية الحقة ديناً وعقيدة وإنتماءً وعملاً، وليس هذا غريباً على أهل اليمن أصحاب القلوب اللينة والأفئدة الرقيقة، أهل العقل والحكمة وأرباب الجود والكرم والطيبة ورهافة الحس، وليس هذا استنتاجاً رياضياً أو استبياناً حسابياً إنما هي شهادة الحبيب محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أهل اليمن أصحاب قوافل الخير والحكمة والحكم، وما هذه النزعة العصبية والنعرة القبلية التي تغشى المجتمع اليوم إلا من صنع السياسة والديمقراطية الكاذبة والقوانين الوضعية التي لم تقرأ احتياجات البشر النفسية والروحية والجسدية مكتفية بفرض نفسها على شعوب منحتهم الشريعة الإسلامية السماوية قوانينها قبل مئات السنين في وصفة دوائية ناجعة وصالحة لكل زمان ومكان بين طيات كتاب الله كريم.
وبالتوقف عند حد المواطنة نجد أن من واجب كل مواطن يعيش آمناً في كنف البيت اليمني الكبير أن يحرص على رعاية هذا البيت بما فيه ومن فيه بالتآزر ضد من يحاول أقلاق أمنه وإفساد سكينته والتألف حول من يجتهد للدفاع عنه ويسعى لتطوير مكاسبة البيئية والبشرية بقدر ما يستطيع ووفق ما تقتضيه مصلحة الجماعة رعاية الوطن أمانة يحملها الجميع على عواتقهم، وإقول رعاية لأن الوطن اليوم بحاجة لهذا الشعور بالمسؤولية الذي ينبع من الأعماق دون أن يدفعنا إليه، تماماً كمشاعر الأم التي ترعى طفلها، بحلم وصبر وتضحية وعدم استعجال للنتائج، فكما ترعى هذه الأم طفلها بتفانٍ تام دون انتظار مقابل علينا أن نرعى هذه الوطن رعاية كاملة دون انتظار جزاء أو مناصبة أو نياشين أو رتب، نعم كلنا يطمح للارتقاء والاكتفاء المادي لكن يجب أن لا يكون هنا على حساب مواقف وقوى ونتائج ضد مصلحة الوطن أو مصلحة الناس من حونا.
ربما تحدث الساسة وأبدع الخطباء وأجاد البعض طرح شعاراته البراقة على مرأى ومسمع الناس، لكن الحقيقة أن الوطن بحاجة للعمل الدؤوب والمخلص الذي يتلمس حاجة الناس ويدفعهم للعطاء ويتقرب من ميادين العرض والطلب لديهم حتى يتمكن أصحاب القرار وأولو القدرة على التغيير تحديد مسار القافلة في اتجاهها الصحيح نحو النمو والإزدهار والسمو.
لذا يجب أن تتوقف تلك الفئة المتنطعة التي تتحدث عن الوطن وكأنه مسكين يقف بباب أحدهم ليحظى بكسرة خبزٍ وشربة ماءٍ عكرة! الوطن أغلى وأتقى وأعلى وأجل من أن يوصف بإيماءة رمش أو حركة شفاة، بل هو أرقى من أن يوصف بألفاظ الفاقة والجوع والتعب، هو بحاجة لحشد الطاقات وتجييش الخطط الفاعلة لانتشاله من براثن الفتنة والنزاع الذي يدمر البنية البشرية ويقض هرم التوافق الديني والسياسي والاجتماعي ويحكم قواعد السلم والتعايش، وإذا حدث هذا في أي مجتمع فإن الغناء هو المال الوحيد الذي ينتظر هذا المجتمع مهما كان حجمه ونوع نظامه الحاكم.
ألطاف الأهدل
إذا لم نرعها نحن فمن يراعاهاً 2321