لا أعلم لماذا هذا التجاهل لقدرة ومكانة المغترب اليمني في رفد عجلة التنمية والاستثمار وحقه المشروع في أن يباشر هذا الدور وفقاً وإمكانياته الاقتصادية والمالية، فاليمنيون منتشرون بمختلف بقاع العالم في المشرق والمغرب منذ عقود طويلة، وأصبح لهم من القدرة والتأثير على اقتصاديات تلك البلدان بدرجة لا يمكن أن توصف، فقد ساعدتهم تلك البلدان ووفرت لهم المناخ المطلوب للاستفادة من قدراتهم، بعد ما رأت أن الإنسان اليمني يمتلك من القدرة والعزيمة أكثر من غيره من الشعوب، لسعيه إلى إثبات ذاته في المهجر، ولإلتزامه أكثر من غيره بالنظم والقوانين، غير أنه يبحث فقط عن الأمان لاستثمار أمواله.
في الوقت الذي يظهر جلياً أن أصحاب القرار في بلادنا يصرون على إحباط المغتربين وذلك بعدم إيلائهم الاهتمام اللازم وإبعادهم عن المشاركة بالاستثمار والتنمية، مما نفر المغتربين عن حتى التكفير بالاستثمار في بلدهم، وأضطرهم للاستثمار في دول ومناطق أخرى، مع أن لهم الرغبة في مباشرة دورهم وواجبهم تجاه وطنهم وأهلهم، وفي إعتقادنا أن هذا الأمر قد يعود إلى أمرين:
أولهما: ضعف وعدم قدرة أصحاب القرار في وزارة الخارجية على إيجاد سياسة وبرامج تلبي ثقة هؤلاء المغتربين من خلال ممثلي دولتهم من سفراء وقناصل في تلك البلدان، الذين أوصلوا المغتربين من واقع التعامل معهم إلى فقدان الثقة الكاملة بعدم الاعتماد واللجوء أو الاستعانة بهؤلاء السفراء والقناصل وطقومهم الذين تم تعيين الكثير منهم بالمحسوبية والمجاملة، مما يجعلهم غير قادرين على التعاطي مع المشاكل وقضايا المغتربين، حيث أصبحوا أسرى وظائفهم البيروقراطية، وذلك بخلاف سفراء وقناصل الدول الأخرى في البلدان المختلفة الذين يكونون على مقربة من أبناء بلدانهم في المهجر ويتعاطون بإيجابية وموضوعية مع مشاكلهم ومطالبهم، وذلك لإدراكهم لمسؤولياتهم ودورهم تجاه أبناء وطنهم، ولما يتمتعون به من كفاءة وقدرة لإنهم أختيروا عند التعيين على أسس من الكفاءة والقدرات.
ثانيهما: لغياب دور الدولة والحكومة ممثلة بوزراء ومختصين معنيين مثل وزراء الخارجية والمغتربين والتخطيط والتجارة والصناعة ورئيس الهيئة العامة للاستثمار في توفير مناخ استثماري ملائم بفرص واضحة ومضمونة ينقصها التنفيذ "التمويل" من قبل المغترب اليمني، وغياب المتابعة من قبل وزير الخارجية لهؤلاء السفراء والقناصل، وعدم توعيتهم وحثهم على تحمل مسؤولياتهم وواجباتهم تجاه المغترب من أبناء وطنهم بروح من المسؤولية والأمانة، ما أوصل المغترب اليمني إلى قناعة تامة بأن آخر شيء يكفر فيه هو الزيارة أو الإستعانة بالسفارة أو القنصلية، ولا نغفل هنا دور وزارة المغتربين وعدم قيامها بالتنسيق الفعال والملموس مع أجهزة الدولة وخاصة البعثات الدبلوماسية التابعة لوزارة الخارجية للقيام بدورها تجاه المغتربين، بل قامت بفتح مكاتب بالمحافظات منافسة فروع الهيئة العامة للاستثمار.
وخبرات اقتصادية لا تتوفر محلياً وعجز الدولة في الوقت ذاته على توفير موارد مماثلة لتلك الأموال ولأن نتائج الاستفادة من تلك الأموال والخبرات إيجابية مؤكدة ومحققة بأقل جهد ووقت فعلى، سبيل المثال لو قامت السفارات اليمنية في المهجر بالترويج لجملة من الاستثمارات بعد إعدادها من قبل الوزارات المعنية بشكل متكامل ودقيق ووفق دراسات، وبقرارات حاسمة من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء وبشروط ضمانات واضحة ومؤكدة للمغتربين في بلدهم مثل:
1. إذا تم الإعداد لمشروع توسعة على سبيل المثال لأحد مصانع الاسمنت، وتحدد المبالغ المطلوبة للتوسعة ويتم تحديدها كأسهم ويقوم المغتربون بشراء الأسهم، وحيث أن المصنع أصلاً قائم تكون أصول المصنع ضماناً لأموال هؤلاء المغتربين، وبضمانات كافية من قبل الدولة والبنك المركزي وتحت متابعة ومسؤولية وزارة الخارجية والمغتربين.
2. إذا تم الإعداد لمشروع إنشاء محطة كهربائية بتمويل مشترك بين وزارة الكهرباء والمغتربين، على أن تحدد حصة المغتربين بنسبة لا تقل عن 40% توزع على المغتربين بحصص أي أسهم ويشترط لإشتراك المغترب أن يكون وضعه المالي عند مستوى معين، بحيث يحقق العائد بعد فترة من التشغيل لا تقل عن ثلاثة سنوات وبضمانات كافية للمغتربين.
3. أن تعد دراسة لمشروع مساكن ذوي الدخل المحدود وتنفيذ من خلال وزارة الأشغال والبنك المركزي وبمسؤولية ومتابعة الخارجية والمغتربين، بحيث نقطع الاحتكار على الشركات المتواجدة في السوق التي تشترط دفع 50% عند الشراء، الأمر الذي عجز المواطنين على الشراء لعدم قدرتهم على توفير مبلغ الدفعة الأولى.
4. أن تعد دراسة لمشروع توسيع الموانئ اليمنية والأرصفة التابعة لها، ويكون بمشاركة المغتربين بنسبة لا تقل عن 40%، لأن تشغيل الموانئ أمر لا مفر منه وعائده مضمون.
وليس لنا أن نقول إلا أنه متى صدقت النوايا صح العمل، ومتى صدقنا العمل مع القيادة السياسية التي تحملت وتتحمل المسؤولية الكبرى على عاتقها، وأيقنا يقيناً حقيقاً لمسؤولياتنا الوطنية وأدركنا أهمية وحاجة المرحلة الراهنة لجهد كل فرد منا في الداخل والخارج، سيوفقنا الله لأن الله لا يضيع أجر من أحسن عمل، ونعلق أملنا بالحكومة من خلال وزرائها على ترك البيروقراطية والنمطية الإدارية، لأن الفرصة التي تتوفر لنا في الوقت الراهن وبدعم دولي وعربي لا يمكن أن تتوفر في أي وقت آخر.. والله الموفق.
Maher2010new@hotmail.com
المحامي/ ماهر محمد مصلح
المغترب وعملية التنمية 2037