استغرب تلك الدعوات المسمومة المنادية بالانفصال من أشخاص عاشوا مرارة التشطير وهول الاستعمار وقسوة الانقسام وصعوبة البحث عن هوية في وطن متعدد الجنسيات! أشعر بالغيرة تغمرني حين أسمع تلك الأفكار الأفيونية الهدامة التي تحاول أن تقف في طريق الاستقرار لهذا الوطن غير آبهة بأن من يسقط في تلك الفخاخ المنصوبة مواطنون يمنيون وأن هذا السعي الحثيث لإحداث موجة الخراب ستجعلهم أمام مهمة صعبة تتمثل في الدفاع عن أنفسهم من ردة فعل شعبية حكومية ستعيدهم لطرح السؤال مجدداً: ماذا يستفيد أصحاب تلك الدعاوى الباطلة من موضة إشعال الفتيل؟!
لكن يبدو أن البعض لا يستشعر ساعة الوقوف بين يدي الجبار ولم يتأمل يوماً قول الله تعالى: (والفتنةُ أشدُ من القتل) البقرة (191) وقوله تعالى في نفس السورة (والفتنةُ أكبرُ من القتل) (217). وليس هناك من جزاء رادع في حق هؤلاء إلا الموت لأنهم يريدون فساداً في الأرض مع سبق إصرار وترصد بأبناء الوطن الذين لا حول لهم ولا قوة. إن ضعف القدرة على إثبات صحة المطلوب تزلزل حجة الطالب وتشتت غايته وتبعض وسائله فلا غرابة إذاً أن تنطلق أصوات الناس هنا وهناك في مسيرات سلمية مطالبة بالقضاء على هذه الشرذمة الضحلة مدفوعة الأجر في ثورة وعي عارمة وقادرة على تمحيص الحق من الباطل وهذا هو ما حاولنا إثباته منذ البدء حين تحدثنا عن ضرورة تنظيم وصقل وإدماج الرأي العام حتى تكون الرؤية أوضح والتوجه أقوى والتقديم لمبدأ التوحد أكثر صلابة وأعمق تأثيراً في نفوس الجيل.
وما نحن في صدده اليوم من شروع في تشريح بنية الرأي العام ومحاولة إجهاض كل محاولة للوصول بالوطن إلى بر الأمان وتشتيت التوجهات القاضية بالوقوف في وجه العنف المدعوم داخلياً وخارجياً والتهيئة لبدء الحوار الوطني بين كافة الأطراف السياسية والاجتماعية والطائفية ليدفع للتساؤل عن دور السياسيين والعلماء وكبار وجهاء الوطن ولماذا لا يستغل هؤلاء مراكزهم الاجتماعية والوظيفية والسياسية والقبلية للتأثير على محيطهم الإنساني والإمساك بزمام الأمور للوصول بها إلى جادة الصواب مدنياً ودون اللجوء للتكتيك وإجراء الاحترازات المسلحة بشكلها المتحرر الذي يثير حفيظة أبناء الشعب ويحفز لديهم الشك بمنجزات ولاة الأمور فيهم ويزلزل ثقتهم بكل من يحاول أن يدعوهم بالتي هي أحسن، وهذا هو الفساد بعينه والفتنة بشحمها ولحمها، ولهذا فإن الوقوف في وجه هؤلاء ليست فقط من واجب الحكومة، بل هي من واجب الشعب أيضاً، بحيث لا يدع أيامنا فرصة لمثل هؤلاء باستغلاله أو استغلال سواه من الضعفاء للزج بهم في بؤر الاقتتال والتخريب وعلينا أن نجعل من ساحاتنا الشعبية رمزاً للتوجيه والإرشاد والنصح ولو خسرنا الكثير من الجهد، فالدعوة إلى الحق والعدل والمساواة لها وزنها عند ملك الملوك، وكما أن تلك الدعاوى لا تتوقف، فيجب أن لا يتوقف سيل التوجيه والدعوة إلى التصالح وتغليب مصلحة الوطن.
ألطاف الأهدل
دعاوى باطلة 2003