الحرية.. نعمة عظيمة لا يمكن تقديرها بثمن، لكن حتى الحرية بكل معانيها المطلقة لها حدود أيضاً، فالحرية الشخصية يجب أن لا تصل إلى درجة إيذاء الآخرين، والحرية الفكرية لا يجب أن تتعدى على قناعات فكرية وعقائدية راسخة يراها أصحابها قواعد ثابتة وصالحة لبناء علاقاتهم مع محيطهم الاجتماعي، والحرية الدينية لا تعطي صاحبها الحق في تكفير الآخرين وتسفيه عباداتهم، والحرية السياسية لا تسمح بإغفال حق الآخر في إيجاد مساحة رأي معقولة وغير مفروضة..
الحرية مفردة مرنة جداً أو ليس لها معانٍ ثابتة لكن أكبر مميزاتها الحرفية أنها لا تسمح بالوقوع ضمن حدود لفظية واضحة، والحقيقة أننا نعيش في مجتمع بعيداً جداً عن فهم المعنى الحقيقي للحرية في كل مجالات الحياة سواءً منها الديني أو السياسي أو العلمي أو القبلي، والملاحظ أن سياسة المفروض مرفوض هي السياسة الشائعة في تعاملاتنا اليومية على مختلف إتجاهاتها وأن القوة وحب السيطرة هي العصا التي تسير بعدها جيوش القوانين مرغمة إلى أكواخها أو إدراجها الدافئة بين يدي المسؤولين وغير المسؤولين.
بإختصار ليس لدينا فهم كامل وتصور شامل عن معنى الحرية فقد فهمها الشباب والشابات على أنها مسلسلات عاطفية وعلاقات غرامية وفهمها الرجال والنساء على أنها "بلطجة" ورآه الحكام وصناع القرار ملاذاً آمناً للحصول على الحصانة مسبوق الدفع، لكنني آراها ويراها سواي كثيرون شيئاً آخر لا مفر من الاعتراف بأنه أعظم نعمة من نعم الخالق القدير، فهل هناك أعظم من حرية الحواس حين ترى وتسمع وتتذوق وتشعر بكل شيء دون وجود حدودٍ تمنعك والتي يقف المرض على رأسها كأقوى حد وأبشع حاجز يمكن أن يحرمك الرؤية والاستمتاع بأصوات البشر والحجارة التي تسبح ربها بلا حدود وروائح المواد الصلبة والسائلة والجامدة من حولك دون أي معوقات، أراها "أي الحرية" أرقى آلية يمكن أن تعلم الإنسان حق الآخرين عليه وحقه عليهم، أراها أروع قانون سماوي لأنها منحت للإنسان حرية البحث عن هويته العقائدية وفق خطوات هادئة ومدروسة ومدغمة بالحجة والبينة ومعروضة بأجمل صورة فطرية يمكن أن يراها بشر.
وكنت قد أستعرت تلك الجملة الكرتونية "ما أجمل أن تحيا في الأرض بلا جدران" من مسلسل الأطفال "ماوكلي" الذي عاش حراً طليقاً بين الحيوانات بالرغم من أنه إنسان، لكن حريته تلك كانت محدودة بقانون الغاب، ولقد أظهر المسلسل بجدارة أن كل شيء في الحياة يسير وفق قانون معين وأن كل بنية لها حدودها التي لا يمكن أن تتجاوزها وأن الخلل يحدث في حال حاول البعض تجاوز تلك الحدود، وسواءً كانت تلك البيئة إنسانية أو حيوانية أو طبيعية إلا أنه لا حرية مطلقة أبداً إلا في إطار التركيب اللفظي للمفردة كما أسلفت من قبل، تلك الجملة الكرتونية تعجبني جداً لأنها استخدمت لفظة "جدران" لتعبر بها عن حدود الحرية التي ينشدها الناس ولا يعلمون معناها الحقيقي.
ألطاف الأهدل
ما أجمل أن تحيا في الأرض بلا جدران! 2440