لا أملّ القول أن الأحزاب لغة الديمقراطية والابن غير الشرعي لذلك التزاوج الباطل بين السياسة والأنظمة المتهالكة تاريخياً والتي ستبقى معلقة بين فكي دونيتها وبحثها الرخيص عن العظمة التي تسحق جماجم البشر، تحديداً بعد ثورة الأقنعة التي سقطت بعد سقوط أصحابها ممن كانوا داخل دائرة التحزب أو خارجها، أصبحت الحزبية آفة بغيضة وصفة ممقوتة، فمشاهد الخيانة والتشدق وتذويب الشعارات في بوتقة الحدث، كل ذلك أظهر كثيراً من أبطال المشهد السياسي الردي الذي ألهب حفيظة الجمهور وجعلهم يتركون مقاعدهم قبل أن يُسدل الستار، أظهرهم بلا رتوش ولا مساحيق ولا جلباب تقليدي يخفيهم كما يظهرهم ويظهرهم كما يخفيهم وكأنهم جان بألف لون ولون خفي.
هاهو الوطن يلقي زفراته حرّى على أشلاء أبناء يرحلون كل يوم بعد أن أصبح الموج عاتياً وزوارقه محشوة بالألغام وتأبى تلك العاصفة التي انطلقت من فوهة المصباح أن تعود كما كانت حبيسة منذ أن مات حكم الأئمة وارتدى الجميع ثوب الديمقراطية فرحاً بعيد وطني جديد كلنا فيه سواء، لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، خاصة إذا علمنا أن للساسة دلواً يدلون به غير دلونا نحن أبناء الوطن.
وهاهو الشعب يسير في موكب الأسى يدفعه الهم ويستقبله الحزن وتحيطه أذرع الإخطبوط من كل جانب، فما الذي جنته الأحزاب من مواقفها ومَن مِن هواميرها دفع الثمن؟! من منهم عاش شعور الأمهات الثكالى والنساء اللاتي رملت جوارحهن فوهة البندقية والأطفال الذين جعلتهم بعض رصاصات طائشة أيتاماً في أعين مجتمع كل من فيه يشكو حرقة اليتيم وألم الحرمان؟! ما الذي أنجزته الأحزاب غير تعبئة العقول والأفواه من أفكار السياسة الآسنة في حفر التاريخ؟، بل ما الذي ستنجزه بعد أن تساقطت أوراق الخريف في عز الربيع؟!.
يا له من درس عظيم ألقاه التاريخ على مسامع ومرأى الشعوب صوتاً وصورة، ويا لها من ذاكرة شعبية تلك التي نعيش بها اليوم ونحن نفارق حقبة الديناصورات السياسية إلى غير رجعة.
فهاهي تسقط نظرية الحزب وهاهي الديمقراطية تكشف قصورها في تحقيق رفاهية المجتمع، وهاهي الأيام تثبت أن هذه الشعوب العربية جاءت لتكون قائدة لا لتكون مقادة، وأن الإسلام هو من حكم وسيحكم شعوب الأرض "ذلك الدين القيم"، وأن الشعوب المتهالكة بحثاً عن الاستقرار لن تجد الاستقرار إلا في دين الإسلام "إن الدين عند الله الإسلام".
والآن أصبح واجباً على كل حزب قدم أبناءه قرابين لإثبات وجوده أو لتأصيل مفرداته السياسية في ذاكرة المجتمع دون مراعاة لخلفية الشعب العقائدية والتقليدية والعرفية، سعياً لتحقيق مصلحة يراد من ورائها باطل.. على كل من فعل ذلك من هذه الأحزاب أن يقدم اعتذاراً رسمياً لهذا الشعب وأن ينسحب من ساحة الوطن إذا كان لم يحصل بعد على جريمة الوطنية التي جعلته مريضاً بالخيانة.
ألطاف الأهدل
رحم الله حزباً عرف قدر نفسه 2149