التسريبات المنظمة التي صدرت من قيادات المخابرات العسكرية المُعفاة، والتي ركَّزت على استهداف الرئيس مرسي بعد جريمة سيناء الإرهابية، كانت مدخلاً مهمًّا لمعرفة مبررات خطوات د. مرسي التاريخية في دمج الشرعية الدستورية، فرغم فداحة العمل، وتاريخية التأسيس له، إلاَّ أن هذه التسريبات لم تتحدث عن: ما هي أسباب الاختراق الكبير الذي جرى على مدى عامين وما سبقهما، والذي أوصل القاعدة إلى إعلان مناطق من سيناء إمارات لها تدير شؤونها، وتُخطِّط خارطتها العسكرية، فيما النظام السابق كان يصب جمره على بدو وأهالي سيناء، دون معالجة لأوضاعهم سياسيًّا ومعيشيًّا لتحييد قوة القاعدة، وتأمين الأمن المصري، أو ما كان يُسعر على أهل غزة الذين تحاصرهم إسرائيل، وعانوا كذلك من مواقف القاعدة، وهم مَن يحرص على الأمن المصري، وليس إسرائيل.
والمحصلة في كل ذلك؛ التحريض على الرئيس، وحكومته الوليدة، حيث كان واضحًا أنّه يستهدف وضع مصر في مرحلة فراغ، وفقدان توازن، تُهيئ لفوضى عارمة، وتغييرات انقلابية، ليس من قيادة المجلس العسكري، لكن من خلال تحالف فساد موروث من النظام المخلوع اخترق المجلس، وخلال ساعات من تأمل حصيلة مشهد الأيام الثلاثة؛ فاجأ الرئيس مرسي الذي وضح أنه يُمارس سلطاته منفصلاً كليًّا عن أي رابط حزبي سابق معروف بتعلّقه بحسابات وتقديرات، ومعروف بتردده لاختلاف موقع المسؤول المستقل عن هذه الحسابات، وهو ما انعكس على الرئيس مرسي إيجابيًّا بقوة في نظر الشعب المصري، فاتّخذ الرئيس مرسي قرارات قوية بتغيير كل المواقع الأمنية والعسكرية الحسّاسة التي كانت مسؤولة عن تردي الأوضاع الأمنية، وتورّطت في حركة التحريض الأخيرة على الرئيس لوضعه في حالة تحييد سلبي، وهي مواقع مهمّة جدًّا، منها ما يملك صلاحية إقالته مباشرة، أو إقالة وتعيين بديل عنه، ومَن يملك قرار تغييره، فأوصى ببديل له.
المجلس العسكري أمام الحقيقة
وأمام هذا المشهد الذي أفرزته محاولة اغتيال الرئيس سياسيًّا، عبر توجيه قضية جريمة سيناء ضده، وضد مصالح مصر القومية، بات واضحًا أن هذه القيادات المتمرّدة على السلطة الشرعية، المتمثلة بالرئيس المنتخب، وذات الحسابات الخطيرة في مواجهة مسؤولية المجلس العسكري، وقياداته العليا، ليس كمشاركة منهم فيما قام به هذا التحالف، لكن لعبوره تحت مسؤوليتهم، واتضاح حجم خطورة تغوّل المجلس العسكري في عالم السياسة على حساب مصالح الشعب، وقواته المسلحة.
وبمنهجية، وحزم، وعدالة، واحترام لشخصية القيادات العسكرية الكبرى، وما قدّمته من مواقف إيجابية للثورة المصرية، منعت التصادم المسلح، اتّخذ مرسي قراراته بإعفائهم، وتكريمهم، وتجسيد شخصه كقائد أعلى للقوات المسلحة في ذات المسار الدستوري الذي يحمي مصر بقيم الثورة. ومن المهم هنا إدراك قوة وأهمية توقيت القرارات، حيث قطعت الطريق على أي محاولة لمباغته الرئيس والشعب من قِبل تحالف قوى الفساد لتهييج الحالة الاجتماعية، وتفجير الشارع المصري لمنع الرئيس من قرارات استكمال السيادة الدستورية لتأمين سلامة مصر وطنًا وشعبًا، هنا استيقظ الشعب المصري بحالة طمأنينة غير مسبوقة، يكتسبها الرئيس المنتخب، والقوي، والموحِّد لقطاعات الدولة، الذي يعتمد روحه المصرية، ومبادئه العربية والإسلامية.
ولا شك أنّ من واجب كل القوى الوطنية أن تُقيّم جيّدًا حجم الإنجاز الذي حقّقه مرسي بواقعية وشفافية، ليس لكيل المدائح له، أو تزكية برنامجه عن الانتقاد، لكن بالاتحاد معه في دعم الانتقال الدستوري، وتعزيز برنامج الحريات القانونية في كليّاتها الكبرى التي ستعكس أولى خطواتها في إنجاز الدستور المصري بجمعيته التأسيسية، بروح مسؤولة، توائم وتوحد الصالح العام، وتتجنب نفسية المناكفة بين التيارات والشخصيات المتعددة.
ومن الواضح أنّ الرئيس مرسي يتوجه الآن للشعب كرئيسه دون أي رابط لجماعة الإخوان، لكن من الطبيعي أن تكون للرئيس قوة شعبية في الشارع، ركيزتها الإخوان والإسلاميون كبرنامج دعم لقراراته أمام «شارع محدود»، مناهض للثورة، وللشعب المصري، وليس الشارع المعارض الوطني، لكن هنا سينجح الرئيس وبرنامجه المرحلي الكبير لصناعة جمهورية مصر الثانية بتوسيع شعبيته وطنيًّا لا حزبيًّا بين كل الشرائح، وهذا ما بدأ يظهر، وهو مسؤولية أيضًا على الإخوان بأن تكون رافعة الدعم منهم، وفي الشارع الوطني للرئيس مرسي المنتخب لا عضو الجماعة السابق، فيندمج الموقف الوطني بكل مساراته، يُؤيِّد وينتقد الرئيس بإنصاف بحسٍّ وطنيٍّ جديدٍ تتقدم به مصر لإعلان العهد التقدمي الجديد.
*نقلاً عن "المدينة" السعودية.
مهنا الحبيل
مرسي والعسكري.. التصحيح الدستوري 2354