ثلاثون سنة والمؤتمر الشعبي مجرد حصان يمتطي صهوته متى شاء وكلما اقتضت الضرورة، اليوم وبعد أن صار الرئيس المخلوع على مسافة قليلة من المحاكمة والسجن أو المنفى؛ هاهو يستجمع قواه وقدراته كي يثبت فيه وللجميع بأنه لا يماثل أحداً من الرؤساء مبارك وزين العابدين ومعمر، وأنه على الأقل أذكى منهم جميعاً وبمستطاعه فعل أي شيء كي يبقى حراً طليقاً أو قولوا شوكة في خاصرة وطريق ثورة التغيير .
يوم الاثنين رأينا العجب العجاب، فالرئيس السابق - المفترض أن يكون مصيره أسوة بالرؤساء المخلوعين مبارك وبن علي والقذافي- يظهر ثانية ومن خلال مسرحية تراجيدية هزلية أسموها مجازا (ذكرى المؤتمر الثلاثين)، بدأت فصول المسرحية بحشد كئيب وبائس جيء به من أصقاع ونواحي ومعسكرات وقبائل إلى قاعة فسيحة اكتظت بجموعهم الغفيرة التي ما أن أطل عليها الزعيم الأسطورة حتى ضج المسرح بالتصفيق والهتاف بحياته والموت في سبيله .
إنها ذات المسرحية السخيفة المكررة التي سئمها الناس وملوها طوال ثلث قرن ونيف من حكم القائد الرمز، لا شيء تبدل سوى أن المتحدث البطل لم يعد رئيسا للبلاد، كما وأن المؤتمر الشعبي بات أشبه بقميص عثمان الذي ظاهره الثأر والانتقام من قتلته فيما باطنه يخفي كوامن ونزعات شخصية وعصبية هدفها الحكم .
تصوروا تنظيما عمره ثلاثين سنة وقضاها كلها في السلطة ومع هذه السنيون تحت إمرة زعيمه المؤسس؛ مازال تنظيما هشا وضعيفا لا يرتقي لمصاف حزب تحت التأسيس، إنني أعجب وأسأل: كيف لرئيس حكم ثلاثة عقود وأتيحت من الفرص والإمكانيات والسلطات ما لم تسنح لواحد قبله أو بعده من الحكام؛ ومن ثم وبعد أن خلعه شعبه بثورة غير مسبوقة في التاريخ يكون منقذا لحزبه ومعارضاً قوياً وملهماً؟؟
ربما غفل الرئيس صالح حقيقة أن الزعامة لا تشترى بأوراق بنكنوت وهيلمة وصولجان؛ بل الزعامة صنعة نضال وتضحية وصدق وتواضع وجلد وصبر ونزاهة وقبل كل هذه الأشياء احترام للذات ورغبة في التاريخ المشرف .
ما أعلمه هو أن معارضة أي نظام لا تكون برئيس فاشل وفاسد وقاتل ومخلوع – أيضاً – فهل قدر لكم رؤية رئيس خلعه شعبه بثورة ودم وقرابين مزهقة ومن ثم يصير معارضاً قوياً حاملاً على عاتقه راية الخلاص والتغيير؟ إنها والله لمهزلة كبيرة هذه التي نشاهدها من المخلوع وعصبته وأتباعه الذين نسوا أو جهلوا وهم في غمرة تدافعهم أمام عدسات الكاميرات؛ بأن معارضة الحكومات والأنظمة لا تكون بحكام فاسدين مخاتلين عابثين وإنما بمعارضين عركتهم السجون والمنافي وصقلتهم التجربة والتضحية ومنحتهم الجماهير التواضع والثقة .
لم أسمع أو أقرأ بأن رئيساً متسلطاً وعابثاً ظل في الرئاسة أكثر من ثلث قرن ويحسب له تدمير وتفكيك وأضعاف تنظيمه الذي يحكم باسمه؛ ومن ثم يصير زعيماً تاريخياً لتنظيمه الهش والمفكك؟ كيف لرجل يصل لجماهيره على متن مصفحة مجهولة وتحت حراسة مشددة قوامها عشرات المصفحات والأطقم، ضيف لذلك انتشار عسكري وأمني كبير؛ يمكنه أن يصير شخصية كاريزمية محبوبة يمكنها مناهضة النظام وإسقاط حكومته وشرعيته؟.
كيف لرئيس دولة سابق وأضاع بلاده وشعبه وتنظيمه جراء إدارته العبثية الفوضوية؛ أن يصير وفي ظرفية أشهر معدودة زعيماً تاريخياً يخطب في جماهيره المحتشدة عن النظام ومحاربة الفساد، والحكومة الفاشلة، والثورة الشعبية المغدور بها؟.
كيف للمؤتمر الشعبي العام المحتفي بذكراه الثلاثين معارضة المؤتمر الشعبي العام الموجود نصفه في حكومة الوفاق، وكذا أغلبيته في البرلمان إن لم نقل وجوده في لجان الحوار وهيكلة الجيش والعسكرية والأمنية وغيرها؟ كيف لرئيس سابق يدعي تنازله عن السلطان طوعاً ورغبة في حقن الدم وكتابة أسمه في سفر التاريخ معارضة خلفه الرئيس الجديد المحسوب على المؤتمر؛ بل ويعد أمينه العام ؟ .
نعم شر البلية ما يضحك، فالرئيس السابق مازال يظن أنه بمقدوره العودة للسلطة ومن بوابة التنظيم ذاته الذي طالما ظل شكليا وهامشياً وعائلياً، ألآن فقط يتذكره قائده ومؤسسه كي يفتك به عضد النظام الجديد، فلا أعتقد أن تظاهرة الصالة الرياضية غير إنها بداية تفكك وانقسام لتنظيم المؤتمر أكثر من كونها فاتحة لعودة ثانية .
ما أن وقف أمام الميكرفون حتى عاد لعرجونه القديم، فبرغم حماسته لبناء حزب إيديولوجي منظم نقيض تماماً للمؤتمر؛ إلا إنه فشل وفي أول اختبار، لقد طوي الكلمة المكتوبة التي أعدتها له قيادات تنظيمه ورمى بها جانباً وراح مرتجلا كلمته وكعادته، وكأنك يا بو زيد ما غزيت!!.
محمد علي محسن
وكأنك يا مؤتمر لست المؤتمر !! 2740