ما يحدث في سوريا اليوم لا يصدقه العقل ولا تؤمن به الحواس، وليس له أبعاد سياسية يمكن أن تقف عندها التصورات مهما كان حجمها على أرض الواقع، ربما لأن ما يحدث هناك من فوضى سياسية وإيديولوجية مدعوم بطرق شرعية إقليمية وعالمية وحتى عربية من أبناء العمومة الأعراب الذين شهد عليهم القرآن بأنهم أشد كفراً ونفاقاً، ربما لأن المقاومة السورية كانت أقوى مما يتوقع النظام، فكانت ردة الفعل الأسدية أقوى وفق قاعدة ردة الفعل المساوية في المقدار والمعاكسة في الاتجاه، وربما لأن شرعنة العلاقة بين الشعب والحكومة لم تكن مبنية على أساس ديمقراطي، شأنها شأن تلك العلاقات الصورية التي تعرضها سياسات الدول الراكدة في قاع التبعية والتي تتخذ من أنظمتها الديمقراطية غلافاً لكتاب إنجازاتها الدكتاتورية ليس إلا، وربما كان ما يحدث في سورية نتاجاً لما يتم تصحيحه من ثورات سبقتها خيارات شعبية ورؤى اجتماعية مشتركة لم تستبعد الرأي العسكري رغم صعوبة الحصول عليه في مجتمعات محكومة قبلياً، لكن وبرغم كل ما حدث نجد أن واقع الحال السوري لازال نابضاً بشعلة الانتصار الثوري ولا زال في سعة من وصف السيناريو الأخير قبل سقوط الأسد الذي لم يعد صالحاً للحياة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، عوضاً عن أنه غير صالح للحكم أيضاً تحت مسمى سياسي يعبث بحقوق البشر.
من أبشع الجرائم الإنسانية ضد الشعوب في القرن الواحد والعشرين هي ما يحدث في سوريا من حرب تنكيل وإبادة تسعى لإلغاء هوية هذا الشعب العربية والدينية والتأصيل لتوجه شعبي جديد يقف بين نظام فاشي وشعب مستعد للوصول إلى الموت قبل أن يركع لهذا النظام المستبد، وهي صورة لأشرس معاقل الديمقراطية الكاذبة التي تعفرت بها وجوه الساسة في بلداننا العربية على موائد الاتفاقيات الدولية شكلياً، لكن الحقيقة تقول إن أوطاننا العربية محكومة بقوة السلاح وصلابة عصا الحكم القبلي وأيضاً أقسى أنواع الأحكام الجبرية حتى على مستوى البيت الواحد.
وفي الحقيقة، إن الديمقراطية كانت فرصة جيدة لم تستغلها الشعوب ولا الحكام لتحويلها إلى أداة تنظيم لحياة الناس بعد أن تكاثرت شعوب الأرض واتسعت دائرة العلاقات البشرية فيها ولم يعد الإسلام بتشريعاته الواضحة ومنهجه المتطور الصالح لكل زمان ومكان هو الدين المنتخب، إلا فيما يتعلق بحرية الاعتناق فقط، وكأن المشكلة في الدين، وليس في الأمة التي فرطت فيه وجعلت دساتيرها موضوعة هي صاحبة القرار المنتخب ولا حول ولا قوة إلا بالله.
إن إعادة النظر في حجم مشكلة التشريع والميل عن الدين القويم واجب ديني يجب أن يبدأه العلماء بغية الحيلولة دون الركون إلى تلك القوانين الوضعية ما تبقى من عمر هذه الأمة المحمدية عائق واضح والباطل واضح والكل على يقين أن ما ظهر من فساد في البر والبحر فهو بما كسبت أيدي الناس.
اللهم إنا نشكو إليك حكاماً طُغاة، وولاة أمر قُساة، وعاملين على مصالح الناس دُهاة، وشعوب رعاة حُناة، قدرت لها الفقر فاستقوت بك، وكتبت عليها الحاجة فلم تسأل سواك، اللهم انصر كل ضعيف أنت ربه ووليه وخذ بعزتك وقدرتك كل جبار كان الشيطان خليله وصفيّه يا أرحم الراحمين.
ألطاف الأهدل
في سوريا وغير سوريا 2004