من أسوأ ما يمكن أن تجد الموت في يد من يمكن أن يمنحك بعض أسباب الحياة والجهل في يد من يملك أن يرشدك إلى سبيل العلم وطريق المعرفة، يحدث ذلك كل يوم في هذا الوطن الجاحد بعض أهله! نعم فمن الجحود أن لا يؤدي الطبيب مهنته على أصولها، خاصة حين يكون المرضى من حوله من ذلك النوع الجاهل الذي يبحث عن الصحة في حبة دواء غافلاً عن أن أسباباً واحتياطات ومحاذير عديدة تقف خلف الشفاء بعد إرادة الله عزوجل وما تلك العقاقير إلا خطوة أولية على طريق الاستشفاء من مرضٍ ما.
الأطباء هنا يكتفون بسرد قوائم الدواء دون النظر إلى التاريخ المرضي لهذا المريض وضرورة التزامه بأسلوب غذائي وربما معيشي معين مع تقديم بعض الوصفات الحديثة التي تساعد المريض على الهدوء كتعليمه ممارسة فن الاسترخاء أو ممارسة نوع معين من أنواع الرياضة ربما ساهم بشكل أو بآخر في الوصول إلى أبواب العافية بشكل أسرع ومال أقل وأدوية أخف من حيث الآثار الجانبية التي يتركها الدواء.
ولربما تميز بعض الأطباء عندنا بشيء من ذلك كله مضافاً إليه إرشاد المريض إلى استخدام بعض الأعشاب الطبيعية إلا أن الغالبية العظمى منهم تبقى خارج حدود التجديد والإطلاع مع آخر الأبحاث الطبية وكأن العالم قد توقف عن الحركة والنمو والتغيير يوم حصلوا على شهاداتهم الجامعية تلك في مجال علمي إنساني قابل للتطور كل يوم.
وإلى ذلك فالمعلمون هنا يمارسون نظرية التكرار الذي يعلم الشطار على حد تعبيرهم ويطبقونه على مصير العملية التعليمية دون شعور حتى أصبحت أجيالنا مكررة حرفياً لكنها لسيت مكررة نوعياً إذا أردنا الحصول على تسمية، المعلم عندنا يشكو من قصور الوسائل والأدوات التي تسهل حصول الطالب على المعلومة وتثبتها وتسترث العقل على تطبيقها بشكل صحيح ودون أخطاء، لكن هذا المعلم قليل التأمل في الحياة من حوله ولذا إنه فعل ذلك فبحث وتأمل وحاول أن يوصل المعلومة بأكثر من أسلوب لأصبح حال أبنائنا أفضل، لكن الكل يكتفي بسرد المعلومات المتوفرة بين دفتي الكتاب المدرسي فقط تاركاً خلفه عالماً متحركاً من أنواع العلوم والمعارف والتجارب والأدوات التي يمكن أن تسهل على الطالب اكتشاف هذا العالم الطبيعي بكائناته وأشجاره وصخوره وزلازله وبراكينه وأدغاله وأحراره وكونه الفسيح.
لقد تحول العلم إلى وصفة وزارية جامدة بالكاد تكفي لتحريك الطالب من مستوى إلى مستوى آخر على مقاعد الدراسة أما فكرياً فهي تعطله عن اكتشاف العالم من حوله وفق أداة طبيعية واحدة وهي الملاحظة والاستنباط المعرفي الذاتي وبعد فإن هذه المهن الإنسانية بالغة الحساسية بالنسبة للمجتمعات ينبغي أن تخطى بعناية خاصة لأن تطورها يعني تطوره هذا الكائن الاجتماعي الذي يقف على كتفيه مسؤولية بناء الوطن، وفي النهاية كلنا بحاجة لطبيب يداوي أمراض أجسادنا ومعلم يداوي أمراض عقولنا فإذا عرفنا أن لا دواء يفيد ولا علم ينفع في مجتمع معلوم بالجهل وفاقة العقل ماذا يمكن أن نصنع؟
يا لها من أمانة ثقيلة تقع على عاتق وزارة الصحة ووزارة التربية والتعليم للارتقاء بهذا الوطن، لكن هل يعرف أصحاب القرار ذلك؟
ألطاف الأهدل
إلى كل طيب لا يرحم وكل معلم لا يعلم 2218