حين تطلق لنفسك العنان في التفكير والتأمل في الأحداث التي تجري على الساحة العربية، خصوصاً تلك المناطق التي اجتاحتها رياح التغيير، تجد أن هذا التفكير يعود عليك بالكم الهائل من الألم والحسرة، تشعر أن الضمير الوطني قد غاب عن الساحة العربية وذلك بفعل السياسة التي انتهجها الحكام في هذا الوطن، مما جعل الأخطاء تتراكم وتتبلور لتصير على شكل ثقافة يمكن ممارستها وتداولها دون اعتراض من أحد بحيث يسهل على الشعوب تقبلها.
حدث هذا في ظل غياب النخب السياسية التي تقول للحق حقاً وللخطأ خطأ، مما أدى إلى انفجار الشعوب العربية في وجه الطغيان وخروجها ضد الحاكم العربي الجائر الذي حاول تطبيع الشعوب وإسكاتها،ناهيك عن الإهانات التاريخية المتتالية في حق شعوبنا العربية، حتى أصبح العربي رمزاً للتخلف في المجتمعات الغربية، إضافة إلى ذلك كان الحكام العرب يعملون على تعرية وكشف نقاط الضعف في جسد الأمة أمام العدو، بل ويسهلون له عملية اختراق الأمة وطمس هويتها وإرثها الحضاري والثقافي.
فالمتأمل في حكام الشعوب العربية في الفترة السابقة لثورات التغيير يجد أنهم كانوا مطية لأعداء الأمة وسفينة يتم من خلالها تدمير الشعوب العربية وإذلالها، فهم عملاء كانوا بكل ما تحمله الكلمة.
وحين هبت رياح التغيير على منطقة الوطن العربي وعصفت بعروش الطغاة واقتلعتهم بتلك الصورة المُخزية والمهينة التي شهدها العالم أجمع، كانت قبلها قد هبت نسائم الحرية والكرامة على ضمائر الشعوب العربية وأزاحت عن عيونها ضبابية الخوف السائد في بعض أوساط الأمة من بطش الحاكم الجائر وكشفت هذه النسائم زيف الأنظمة الحاكمة المتدثرة به، فأتضحت الصورة أمام المخدوعين بحقيقة تلك الأنظمة الدكتاتورية، حينها أدرك الجميع الحقيقة وانتفضوا بقوة لا توقفها قوة، وأعلنتها الشعوب ثورة، لإستعادة الحرية والكرامة المستلبة.
وما رأيناه في شعوبنا من إصرار وتحدٍ وتضحية في سبيل استعادة كرامتها ومكانتها التاريخية كان الدليل الواضح على صحوة الشعوب ووعيها وإدراكها لما حل بها من تدمير ونخر في جسدها من قبل أولئك الحكام أصحاب اللباس العربي والعقلية الصليبية التي ظلت لعقود تمارس ترسيخ ثقافة التجهيل والعبودية، وإفساد الضمير العربي الذي لا يرضى بالضيم وذلك من خلال سياستها وأجهزتها الإستخباراتية وأنظمتها البوليسية القمعية.
وهذا يدلل على أن ثورات الربيع العربي لم تكن محض صدفة كما قد يظنها بعض المحسوبين على تلك الأنظمة السابقة، إنما كانت ثورة حقيقية وحقوقية بمعنى الكلمة، تغلي بين أوساط الشعوب وفي ضمائرهم نتيجة لتلك الأخطاء والممارسات التعسفية التي ارتكبها الحكام في حق شعوبهم، فأثقلت كواهل الشعوب وعجزت عن الصبر لأكثر من ذلك، مما عجل بالهبة الشعبية وإنفجار الثورات لتطيح بكل الطغاة..
على الرغم من أن المحللين السياسين وقادة الأحزاب وأجهزة الإستخبارات لم يكن في بالها ولا نتائج دراستها أن هناك وحشاً ثورياً قادماً يلتهم كل طاغ، ولم تستطع التنبؤ بأن بركان الثورة قد بدأ في العد التنازلي، لم يكن هذا ولا ذاك في حساباتهم أوتقاريرهم لأنهم لم يدركو مخزون ما حصدته شعوبنا العربية خلال الفترة السابقة من الظلم والفساد والحكم الجائر من قبل حكامها وسياستهم وأنظمتهم، لم يدركو هذا وأنه كان يكفي لإقامة ألف ثورة وثورة، لولا الأجهزة الإستخباراتية والدعم الغربي السخي لإستبداد الشعوب العربية وقمع كل صوت يعلو مطالباً بالحرية والكرامة والعدالة.
إن الشعوب العربية في الفترة الراهنة تبدو يقظة ومستيقظة وهذا أجمل ما نراه ونتمناه ونحن نطالبهم بأن يظلوا هكذا في استعداد لمواجهة كل الذين يريدون إعادة الأنظمة السابقة ومحاربتهم وحصرهم في زاوية ضيقة بحيث لا يمكنهم استعادة أنفاسهم ويعودون، فهم الآن يعيدون رص صفوفهم وترتيب أوراقهم بإشراف ودعم من الثعالب الغربية والعملاء العرب الباقين، ليخرجوا في يوم ما إلى شعوبنا بشعارات براقة ظاهرها التغيير والحرية والعدالة والكرامة وباطنها الاستبداد والأنظمة البوليسية القمعية السابقة.
وهنا نطرح نداء ونصحاً لشباب الأمة بأن لا يضعوا سلاح نضالهم السلمي حتى يتم تطهير الوطن العربي كل الوطن العربي من العملاء وأرجاس الفساد، وتعود للإنسان العربي عزته وكرامته بين الأمم.
وحذاري أن تتسلل الثعالب الغربية أو على الأصح السرطان الغربي إلى جوف النظام الجديد ليعودوا ينخروا في جسد الأمة من جديد، فالملامح في الأفق السياسي تبدو أن الثعالب بدأت تتحرك وبسرعة فائقة في بناء الثقة مع قيادة التغيير والثورة ليتسنى لها تكريس ثقافة الأنظمة السابقة.
عبدالإله المنصري
رياح التغيير والثعلب الغربي 1649