لا أقول إنني كتبت هذه المقالة تحت ضوء النور أو نور الماطور، ولكنني سطرت أحرفها تحت ضوء شمعة متهالكة أخذت تنحني من شدة ضغط الغرفة، فراحت تذوب قبل أن يسيح مداد قلمي من جراء عرقي المتصبب على وجهي، لتنطفئ الشمعة ويسقط من يدي قلمي إثر تعثر طفلتي المسكينة بي، إذ لم تشعر بوجودي ساكناً كشبح أسطوري في الظلمة.
وهكذا دائماً تكون المعاناة، هكذا تكون الاستهانة بمصير أهالي عدن الذين احترقت جلودهم من لهيب الصيف في الليالي المظلمات.. تساءلت كيف بحال الشيوخ المرضى بالسكر والقلب والربو؟.. وكيف بالأطفال الصغار الذين علت أصواتهم وامتزجت بصوت المواطير هذه "التقليعة الجديدة" ولم كل ذلك؟ أحقاً نحن نعيش القرن الـ"21"؟ عصر من المفروض فيه أن نكون قد تجاوزنا حدوثه الـ(طفي لصي) التي تبلغ أحيانا الـ( 14 ساعة) في اليوم بمعدل خمس مرات إلى ست مرات أقسم بالله.
تساءلت وأنا أحمل جسدي بحذر وأسير بحذر أكثر: هل أذهب لأستحم بعد هذا العرق؟، ولكنني تذكرت أن " الدينمو" لا تعمل، فليس حال الماء بأفضل من الكهرباء لأن الماء يريد قوة دفع والقوة في ركب الكهرباء والكهرباء عند إدارة الكهرباء وإدارة الكهرباء تشتي ردع والطلبة عندهم امتحان والامتحان يشتي تركيز "ويا بقرة صبي لبن" الحمأ داخل عدن وحكومة النفاق يتشاوروا......إلخ.
والسؤال هنا: هل وصل الحال بمدينة عدن إلى هذا المستوى من التردي؟ قمامات هنا وهناك وكلاب ضالة تسرح حتى أبواب البيوت وأزيز الرصاص يضرب الآذان وكأننا في "هوليوود" ونازحون في المدارس وقطع طرقات وغلا وتفجيرات ونهب وسلب الخ، هذا حال واقع مدينة عدن يا أعزائي وليس المدن الأخرى بأحسن حال.. فهل تعلم حكومة الوفاق المحترمة ومن يهمهم الأمر في المحافظة وإدارة الكهرباء أن مدينة كبيرة كمدينة "بكين في الصين احتفلت بمرور خمسون عاماً"، نصف قرن لم تنطفئ خلالها الكهرباء؟ وإني أدرك أنها الصين الدولة العظمى ولكن فلتعلموا يا رفاق حكومة الوفاق أن خدمات ضرورية ومهمة كالكهرباء والماء هي من أبسط مقومات الحياة التي يمكن أن توفرها أي دولة لمواطنيها، لاسيما أبناء المناطق الحارة في الصيف كعدن وغيرها.. أفلا يكفي الفاتورة الشهرية التي قصمت ظهر المواطن؟ إننا لا نريد أن نغدو كالصين، بل كل ما نطلبه الرحمة لمدينة عدن، هذه المدينة الباسلة التي قاست الكثير والكثير وعانى أهلها، خاصة في أشهر الصيف..
أخيراً الحمد لله أستسمحكم عذراً والآن ها أنا أتنفس الصعداء.. لقد أنيرت الكهرباء في حين، ولا عزاء لسكان الحي المجاور الذين انطفأت الكهرباء الآن عندهم.
إبراهيم الشاش
طفلتي والشمعة.... 1806