صباح الفل. قال محلل مرموق، يعمل لدى شركة "ودد ماكينزي" المتخصصة في شؤون الطاقة، إن الفحم المكدس في ميناء كين هوانغ داو الصيني بلغ 9.5 مليون طن في شهر يونيو، لأن محطات الكهرباء أصبحت تحرق فحماً أقل. إن هذا يعني، في لغة الاقتصاديين: تراجع، أو انكماش Recession في النمو. لا نريد أن نتحدث حول الاقتصاد الصيني، الذي أضافت أزمة ديون دول اليورو من متاعبه، بل عن "إنتاج واستهلاك" الكهرباء كمؤشر اقتصادي حيوي. قبل عامين كتبت في صحيفة المصدر حول "السقالات" كمؤشر اقتصادي. حينها قلت إن صنعاء بلدة ميتة، فلا يوجد في سمائها سوى سقّالتين فقط. يظل هذا المعيار صالحاً ما دمنا في وارد الحديث عن الدول التي تصنف كدول ذات اقتصادات ناشئة " Emerging markets." أو تلك التي تحاول أن تخطو إلى الأمام.
غير أن إنتاج واستهلاك الكهرباء ينظر إليه، اقتصادياً، بحسبانه المحدّد الأكثر دقّة لحركة الاقتصاد في البلد المعني. وعندما تقول التقارير إن استهلاك الكهرباء في فترة زمنية معيّنة – ربع سنوية، في الغالب- انكمش على نحو ملحوظ بيانياً فإن هذا يعني إن الماكينة الإنتاجية دخلت في طور التباطؤ، وأنها أصبحت تنتج سلعاً أقل. أما إذا كان لديك إجمالي إنتاج للكهرباء يقل عن "ألف ميغا وات" فليس لهذا سوى معنى بسيط وهو أنك تقع تماماً خارج السوق العالمية. أي: خارج الكوكب. تنتج اليمن أقل من ألف ميغا وات من الكهرباء، بما يساوي تقريباً ثلثي ما يستهلكه الحرم المكّي. تعترف الحكومات المتتالية بأن 70% من الجغرافيا السكانية لا تحصل على كهرباء، أي: لا تنتج، بينما تستطيع الكمية البسيطة أن تغطي بالكاد أقل من نصف الاحتياجات الحيوية للمُدن. هذه الصورة المذهلة لإنتاج واستهلاك الكهرباء في اليمن تكشف زاوية أخرى من زوايا الظلام الدامس الذي نتنفس فيه، أعني: نختنق. إذ أننا، في الواقع، نعيش في أحشاء جثّة هامدة مقطوعة الصلة بالعالم. في لحظةٍ ما خرج مئات آلاف الشباب بنبوءات مسيّانية جديدة (يسوعية) كما لو كانوا لا يزال بمقدورهم نفخ الروح في هذه الجثّة. وفيما يبدو لقد نفخوا فيها الروح، فأيقظوا حولها الذئاب وناموا، كما تنبأ البردوني في نصّه المهم "تقرير إلى عام 71 حيث كنّا".
موعدنا بكرة
نهاركم سعيد.
مروان الغفوري
الكهرباء من جديد 2575