تعتبر الكهرباء حاجة أساسية بدونها تصبح الحياة أكثر صعوبةً، فبها يستطيع الإنسان القيام بمعظم شؤون حياته اليومية، بل هي تعد الركيزة التي تعينه على القيام بمختلف المهام خاصة أن الشعوب تتجه إلى عالم الحداثة والتطور الذي يعتمد بشكل أساسي على الكهرباء، التي تعتبر بشكل أو بآخر حلقة وصل بين الدول، فعلى سيبل المثال بغير الكهرباء لا يمكن أن نستخدم الإنترنت، ومختلف الشعوب تعتبر الكهرباء أمراً سهلاً يمكن الحصول عليه بمختلف الطرق ولا تعتبره بذلك الأمر الذي يحتاج إلى طاقات وجهود مهولة للحصول على قليل من الميجاوات....
ولكن نظرة المواطن اليمني إلى الكهرباء تختلف عن باقي شعوب العالم فهو ينظر إليها بأنها ذلك الشيء الصعب الذي يتطلب مثابرات ومناورات حثيثة ويعده حلماً يسعى إلى الوصول إليه لكي ينير به بيته ويضيء شارعة، فما إن تنطفئ الكهرباء تبدأ رحلة المعاناة التي نادراً ما تنتهي بسرعة، بل تظل تخطو طويلاً لعلها تجد مخرجاً لكي تعود من جديد، فإذا تخيلنا كم طفل في الحضانة انقطع عنه الأكسجين بإنطفاء الكهرباء ولو لثوانٍ قليلة؟ وكم مريض اضطر إلى تأجيل عمليته لعدم توفر الكهرباء أو الوسيلة الاحتياطية للحصول عليها؟ وكم من أم لم تجد مكاناً لتضع فيه ما تبقى من الأكل لليوم التالي؟.
ولطالما سمعنا عند حوادث المولدات الكهربائية وكم روح أزهقت بسببه، ولأهلنا في المناطق ذات درجات الحرارة العالية معاناة تختلف عن معاناتنا، فكل هؤلاء الفئات وأكثر من ذلك تضرروا من انطفاء الكهرباء، فمن يحمل ذنبهم؟ هل الإنسان الذي تجرد من كل معاني الإنسانية وأقدم على جريمة قطع الكهرباء عن ملايين من الناس أم الحكومة التي لم توفر الحماية الكافية لخطوط نقل الكهرباء؟ فالنقاط الأمنية بكل مجنديها وأسلحتها وقفت عاجزة أمام خبطة حديد سببت بانقطاع الكهرباء.. فهل يعقل ذلك؟
وإن رجعنا للوراء قليلاً سنتذكر قول وزير الكهرباء صالح سميع :" من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليذهبنّ إلى صناديق الاقتراع".
وبالفعل شـارك الشعب اليمني بكل فئاته في الانتخابات وأنتخب عبد ربه وأًصبح رئيساً شرعياً لليمن وحصل على نسبة ما يقارب 99%، فإذا فرضنا أن هذه الانتخابات كانت نزيهة سوف ندرك أن الغالبية الساحقة من الشعب كانت تلهث وراء أقرب طوق نجاة للتعلق به لينتقل بها إلى بر الأمان والرخاء.
وها هي الحكومة اليوم التي علق الشعب عليها آماله تثبت كل يوم أنها غير قادرة على أداء مهامها، أما خطوط نقل الكهرباء تبحث عن حامي لها، لأنها سئمت وكلت من كثرة الاعتداءات التي تطالها، فدموع باسندوه،و وعود سميع،وأماني قحطان بالطبع لن تقدم أدنى حماية لأبراج الكهرباء.
سميع منذ توليه منصب الكهرباء أغدق علينا بالوعود، من ضمنها أنه سيحول صنعاء من مدينة الانطفاءات المتكررة إلى المدينة الفاضلة التي تتلألأ بالنور، وتتوهج لمعاناً بالضياء ولكن لم يفِ بذلك الوعد، ولن أحمله عبء حماية خطوط الكهرباء، فهذه المهمة تعود إلى وزارة الداخلية، ولكن عليه تكمن مهمة إيجاد الحلول إما بنقل المحطة أو إنشاء محطة أخرى، كذلك مهمته تكمن بتسديد العجز الذي أثقل كاهل الوزارة ويجب عليه فرض هيبة الدولة ليتمكن من سد ذلك العجز، فالدولة لا تستعرض قواها إلا على المواطن البسيط، أما الشيخ الكبير الذي لا يسدد قيمة فاتورته الباهظة الثمن، فهنا تغيب الدولة وتغيب وزارة الكهرباء، أما من ناحية الخسائر التي تسببها الخبطات فهي خسائر خيالية، فقد بلغت قيمتها منذ تولي سميع المنصب حوالي 40 مليار ريال!!.
فهذا المبلغ الضخم كفيل بإنشاء محطة توليد أخرى إذا كانت محطة مأرب خارجة عن نطاق حماية الدولة التي تعد من مهام وزارة الداخلية.
وتشير الإحصائيات المقدمة من الجهات الرسمية بأنه وفي الآونة الأخيرة تعرضت خطوط نقل الكهرباء إلى أكثر من 33 اعتداءً خلال 48 ساعة، فأين أمن الدولة الذي وعد بتحقيقه قحطان؟ وهل الدولة تعجز عن حماية أبراج الكهرباء من الخبطات اللاتي ترمى من قبل أولئك الخارجين عن القانون؟ أم أن هناك تواطئاً من قبل جهة معينة هدفها بقاء اليمن في حالة توتر دائم؟.
آمر غريب فعلاً وهنا يجب أن يعرض قطان للاستجواب ليبين لنا ما تخفيه الكواليس، فالدولة التي لا تستطيع حماية برج من أبراج الكهرباء فكيف لها أن تحقق التنمية والنهضة لليمن؟!!.
تساؤلات كثيرة بحاجة للجواب، والضحية في كل هذا المواطن اليمني البسيط الذي لا حول له ولا قوة، إنما يكابد لمواصلة حياته، فإلى متى سيظل الوضع هكذا؟ وإلى متى ستظل خطوط الكهرباء يتيمة الحماية تفتقر ولو لنقطة أمنية واحدة؟.
الواقع الذي نعيشه صعب ومرير بالفعل، ولكن أتمنى ألا يكون حلماً مستحيلاً، فقد يأتي ذلك اليوم الذي ينتظره الجميع للخروج من ذلك الواقع المرير والانتقال من عالم الظلام الذي يعيشه المواطن اليمني كل يوم إلى عالم النور والضياء الذي يحلم به.
هشام العزعزي
الكهرباء في اليمن بين الحلم المستحيل 2048