البحث عن ممثل شرعي لشباب الثورة، كي يلتحق بشاحنة الحوار الوطني المعطّلة، لا يزال جارياً.. يتذكر طلبة قسم "أدب إنجليزي" ودارسو الأدب بشكل عام، النص الشهير للشاعر الرومانسي صموئيل كوليردج: "ماء في كل مكان، ولا قطرة للشرب" توجد ميادين للثورة، يعزف عليها شباب الثورة أغانيهم، لكن لا وجود لقوس النصر، كما ليس بمقدور أحدٍ أن يزعم أنه يمثل شباب الثورة، شباب في كل مكان، ولا شاب واحد للحوار، لا يزال البحث جارٍ، غير أن النتائج الأولية تقول: كل من عثرتم عليهم حتى الآن لا يمثلون أحداً.. أما الذين ستعثرون عليهم في الغد فسوف لن يمثلوا أحداً، لذلك من الأفضل أن تنتظر حتى بعد الغد ريثما تستمتعوا جيداً بأنشودة أحمد عبدالمعطي حجازي: هذا الزحام لا أحد.
تبدأ المشكلة من التعريف، كما يقول اختصاصيو العلوم، إذ لا وجود بالمعنى العملي والنظري لبنية اجتماعية، أو ثورية، متجانسة يمكن تعريفها بـ"شباب الثورة".. الثورة، نفسها، ليست حزمة من الخصائص والصفات يمكن تشغيلها أفقياً ورأسياً كي تؤدي إلى دلالات أو تكثّف موجودات، أي أن تنقل الأشياء من الوجود إلى الحضور، ليست أداة تعريف، فهي ذاتها غير معرّفة، أما إذا كنا مضطرين للبحث عن التعريف المانع الجامع، بحسب لغة الأصوليين، للثورة فأغلب الظن أن الثورة هي: ليس كل ما سبق.. جارٍ البحث عن ممثلي شباب الثورة، وبالضرورة يمكن العثور بسهولة على "ِشباب" ينتمون إلى فئة عمرية محددة.. في الطب الحديث: الشاب حتى الخامسة والستين، أي أن وزراء الحكومة، باستثناء باسندوه، هم زين الشباب.. قد تحصل على نتائج مثيرة، على شاكلة: عينة من شباب الثورة تمثّل الثورة، لكنها لا تمثل شباب الثورة.
بيد أن هذا الجزء ليس هو الأصعب، رغم أن حلّه يبدو مستحيلاً، فمثلاً تلتقط بعض القفازات المشبوهة "هبشة" شباب، سيطلق عليهم على قبيل التمويه: ممثلو شباب الثورة، لكن هؤلاء ما إن يذهبوا للحوار حتى يواجهوا تلك الكائنات الغريبة، أفاتار وخلافه، التي سبق أن تبادلوا معها، في الزمن الأول للثورة، لعبة: تلعنونهم ويلعنونكم.. يصابون بقشعريرة تتسلق أعمدتهم الفقرية، من جهة، وبأصابع رفاق الثورة من بقية الجهات، لا أتحدث عن أسماء بعينها، فكما أنها لم تكن تستحق الذكر عندما لم تكن سوى موديلات عارية، فهي أيضاً غير جديرة بالإشارة وهي تحاول أن تكتسي من الأعلى إلى الأسفل، لكن صلاح عبد الصبور، الشاعر الذي يحبه طلبة الثانوية العامة، كان قد كتب نصاً بعنوان: عودة ذي الوجه الكئيب، يصفه عبدالصبور "ذو النظرة البكماء، والأنف المقوّس، والندوب".. يا للمصادفة، فقد نشرت هذه القصيدة في خمسينات القرن الماضي ضمن مجموعة شعرية كان اسمها: الناس في بلادي!!.
مروان الغفوري
شاحنة الحوار الوطني 2475