ستقول لك صحيفة الميثاق: هناك مؤامرة كبرى في وزارة الداخلية يقودها عبد القادر قحطان. الميثاق تخرج من مخبأ النظام السابق، ذوي الاحتياجات الخاصة. لذا ستقول لخيالك: أخيراً، لقد تحرّك قحطان. أو: يا إلهي، كان هذا العبقري يعمل بصمت و"إحنا آسفين يا قحطان". أنت تنطلق من نظرية بدوية تقول إن الفزع الذي يبديه خصوم الثورة حيال أمرٍ ما يعني أن نشاطاً بطولياً يحاصرهم الآن، وأن بطلاً " ما يشربش الشاي يشرب كزّوزة" يصنع التاريخ الآن. تعالَ إذن نبحث عن الزير سالم..
تبرّع أحد رواد الفيس بوك فأنشأ صفحة "مؤيدي عبد القادر قحطان". يُعتقد، وهذا غير مهم، أن هذا المتبرّع هو نجل وزير الداخلية. لكن قحطان، الذي يبتسم في رأس الصفحة كأنه روبرتو كارلوس، لم يحصل على مؤيدين. تقرأ في الصفحة نفسها مساهمة كتبها "رقيب أول عمار الربيعي": المثير للسخرية أن وزير الداخلية استعرض عضلاته على المنضمين للثورة من أحرار الداخلية وهم أسباب وصوله إلى منصبه. رسالة أخرى من شباب العدين إلى وزير الداخلية: "معالي وزير الداخلية، تعلم الآن أنك وزير للداخلية ولستَ مديراً لشرطة الانتربول. إلى الآن أنت عاجز عن محاسبة مدير أمن مديرية، كفانا تنظيراً".
علينا أن لا ننسى أن هذه الصفحة هي لمؤيدي قحطان، وزير الداخلية.
هذا الرجل لا يتحدث كثيراً، كما أنه أيضاً لا يعمل كثيراً. وفي الغالب لا يحتسب الصمت والنوم من الأعمال الصالحة، تاركاً أمر احتسابهما للمصادفات، كما يفعل مع غالبية مهامه. في الواقع، تحدث قحطان ذات مرّة قبل نصف عام بوصفه عضواً في لجنة الشؤون العسكرية. قال إن هنالك طابوراً خامساً، وأن الوطن ليس للمصالح الشخصية. يا عيني عَ الفصاحة! طبعاً هذا إنشاء بديع، يتفوق في هارمونيته على "قفا نبكِ"، رغم أني شخصياً لم أفهم منه شيئاً. بيد أن المشكلة العويصة هي أن وزير الداخلية هو الشخص الوحيد الذي يحرّم عليه الاشتغال في فنون البديع وكتابة الشعر الركيك. مهمته بث القدر الأكبر من الطمأنينة، وتبديد الخطر المعنوي على مدار الساعة. قحطان تفوق في الشهرين الأخيرين على مخابز الأمن القومي فيما يخص سرعة وغزارة إنتاج البيانات التي تتنبأ بوجود مخططات جهنمية للقاعدة. في الحقيقة، حتى هيئة الأرصاد فشلت في مجاراته فيما يخص تنبوءات اليوم والليلة. إنه رجل يحمل الدكتوراه، لكنه ينسى على نحو مستمر إن إثارة الرعب في المدينة لا يقل ضرراً عن الجريمة نفسها، وأن هذا هو المعنى الدقيق لما يسمى بـ"الخطر المعنوي".
وبرغم ماسورة البيانات التي فتحتها وزارة الداخلية إلا أن أيّاً من توقعات "المتنبيء الجديد" لم تصدقها النجوم. فضلاً عن أننا لم نقرأ عن كارثة وشيكة أجهضتها أجهزة "أبي الطيب المتنبي"، أو قصائده كما في قول آخر! وفيما يبدو، نحن ووزارة الداخلية ننام معاً تحرسنا الملائكة ويغطّـينا حسن الطالع، بينما يعزف "اللهو الخفي" منفرداً سيمفونية: كل هذي البلاد لنا.. موعدنا بكرة، نهاركم سعيد..
مروان الغفوري
صباح الفل ...... 2677