خلال الفترة الماضية تقولبت الأحداث تلقائياً، فأصبح لدينا أكثر من شكل سياسي يعبر عن الأزمة الطاحنة من زاوية مختلفة، لا أعتقد أن الوضع الآن أصبح أفضل، اللهم إلا من خلال الدور الصوري الذي تلعبه الحكومة على شكل قرارات شطرنجية لا تلغي ولا تشطب وإنما تكرس فلسفة (دارهم ما دمت في دارهم)!.. كلنا يتطلع إلى صدور قرارات أعمق حتى تنكسر بعض القوالب الجامدة وتسود فكرة المدنية بشكلها الحقيقي لا بهذا الشكل الذي يرتدي عباءة المحاباة بلونه الثوري، الدماء التي شربتها الطرقات وبكت عليها الأرصفة كانت دماءً لبشر وليست دماءً لكلاب سككٍ شاردة، وتلك الوجوه الصغيرة الفضة التي فارقت الحياة كانت وجوهاً يمنية من أنظف وأطهر عروق الأرض، ولم يكونوا يهوداً أبداً، ولهذا يجب أن تكون قراراتنا كشعب أو كحكومة قرارات جادة ومسؤولة وتحاكي المصلحة العامة وذات أهداف واضحة وشفافة، إلى جانب تمتعها بالجرأة لأنها نتاج حركة شعبية قوية نشأت وترعرعت في ظل مطلب أساسي ورئيسي وهو التغيير، وطبعاً التغيير إلى الأفضل وليس العكس.
اليوم يتعطش الشعب لقرارات ضخمة بحجم طموحاته، تجتث جذور الفساد وتضع المفسدين في مكانهم المناسب، مكان لا يعطي حصانة لرُتب أو مسميات قبلية أو عرقية، مكان يناسب حجم الجرائم التي ارتكبها هؤلاء في حق الشعب، حتى يذق هؤلاء طعم الجوع والذل والإهانة التي ذاقها أطفال ونساء وشباب رأيناهم بأم أعيننا يأكلون من مقالب القمامة، وحتى يشعروا بالعٌري الذي عاناهُ من يسكن الأرصفة قبل سن الرُشد! لا نريد ذلاً لأحد، ولا نسأل الفضيحة لمن فضح الناس، ولا نطلب من الله إلا أن يعم الأمن والسلام، لكن يجب أن تطبق حكومتنا سياسة الثواب والعقاب دون خوف من ماضٍ أو وجل من مستقبل، لأن قرارات اليوم هي من سيصنع مستقبل الغد، وبدون وجود قرار قوي لن يكون هناك يمن جديد، وبدون وحدة هذا القرار لن تتحد الإرادة في وحدة الوطن، وعلى كل حال وحدة الوطن قرار شعبي خالص مائة بالمائة وحتى لو انقسمت اليمن ـ لا قدر الله ـ جغرافياً فإنها لن تنقسم إنسانياً وتاريخياً وثقافياً.
نحن على ثقة أن حكومتنا تعي أنها حكومة وفاق وطني وليست حكومة وفاق حزبي، وعلى ثقة أكبر أنها تعي أيضاً حجم المهام الإنسانية التي تحملها على عاتقها وأن الوطن اليوم يقف تحت مظلة قرار مصيري صائب وصارم وموحّد، وعلينا كشعب أن نكون عوناً لتلك الحكومة المنصفة والذكية والقادرة على قراءة الطموح الوطني في قلوبنا بمتابعة سير تلك القرارات وتطبيقها وتوعية الجميع بأهمية المرحلة ومدى قدرتها على تغيير المسار العام لقضية الوطن، فبدون حكومة ذكية وشعب واعٍ لن تنشأ لدينا دولة مستقلة وما سيكون هو البقاء تحت سطوة القرار القبلي حيناً طويلاً من الدهر!.
ألطاف الأهدل
حكومة ذكية وشعب واعٍ.. 1818