مقبنة تعد من أكبر مديريات الجمهورية إن لم تكن أكبرها فعلاً مساحةً وسكاناً، تحدها العديد من المديريات منها شرعب وجبل حبشي والتعزية وجانب من الحجرية وحيس, وتكتنز في جنباتها مجموعة من الكنوز الثمينة ؛ فتمر فيها مجموعة من الأودية أهمها وادي رسيان الذي يصب ماؤه في البحر الأحمر وتوجد فيها عين حارة يأتيها الزوار من كل مكان طلباً للاستشفاء وبكل تأكيد هناك طبيعة رائعة تثير في الزائر روعة الأحاسيس وأنقى المشاعر وتنثر على روحه البهجة والسرور , وتضم مدينتين هما من أهم المدن في محافظة تعز إنهما مدينتا هجدة والبرح عرفتا عبر التأريخ بسوقيهما السبت والأحد بالنسبة للأخيرة والثلاثاء والأربعاء في الأولى وهما تقعان على الخط الدولي الرابط ما بين الحديدة وتعز , ويقع في محيطها الجغرافي أيضاً مصنع اسمنت البرح ذلك الصرح الشامخ الذي بدا عجوزاً متعثر الخطى أخيراً بعد أن استبشر الناس بوجوده خيراً قبل سنوات، لكنهم لم ينالهم منه سوى الأمراض الناتجة عن مخلفاته التي لوثت البيئة وعكرت صفو الطبيعة وأهم كنز وأنفسه هو الإنسان، فقد عرفت هذه المديرية بتميز إنسانها فهي تختزن كوكبة من الشعراء والأدباء إلا أن الظروف القاهرة غيبتهم عن المشهد كما غاب اليمن ككل عن المشهد الدولي، إضافة إلى العديد من الكوادر المتخصصة في مجالاتٍ عدة والذين تجدهم في غير مكان من هذه البسيطة , كما أن فيها معالم تاريخية وآثار تراثية تتحدث عن تأريخ مر من هذا المكان ولوعي أبناء المديرية وإدراكهم لأهمية هذا التراث الذي يؤكد أصالتهم كانوا حراساً لها فلم تطالها أيادي العبث كما طالت كثيراً من تاريخ هذا البلد العظيم.
إنسان هذه المدينة كان حاضراً بقوة في مراحل تاريخية متعددة، فمن أبنائها الشهيد محمد حمرة, والعملاق في العلم والرائد في القضاء القاضي عبد العزيز حمرة حاكم المخا وحيس وكان قاضيا فحلا كما دون ذلك الدكتور عبدالولي الشميري في موسوعته أعلام اليمن, وعلى جبال هُكمان في عمق المديرية جرت معارك طاحنة حين كانت ممراً لما يسمى الجبهة الوطنية في ثمانينات القرن الماضي, ربما لم تحظ هذه المديرية بمن يدون تأريخها المتعاقب، لذا لا تتوفر الكثير من المعلومات الموثقة لكنها أيضاً مازالت مسجلة في ذاكرة الناس, وفي ثورة فبراير 2011 سجل أبناء المديرية حضوراً ملفتاً وكانت لهم في مدينة هجدة ساحة, ومن أهم ما يميز إنسان هذه المديرية أنه مدني بطبعه وإن كانت أصوله متجذرة في التأريخ ولمواقفه عبر مراحله المختلفة حضور مميز فهو ابن تعز الحالمة.
هذا الجزء الكبير من تلك المحافظة الرائعة مازال مغيباً ولم تصله خيرات ثورة 26 سبتمبر فالخدمات الأساسية محدودة، بل تكاد تكون معدومة وفي أروقتها الرسمية فساد كبير حرمها من الاستفادة من مصنع اسمنت البرح الضخم ومن كثير من الخدمات التي تعثرت في أولى خطواتها ويبدو أنه يراد لها أن تبقى ممراً آمناً للمهربين الآتين من سواحل المخا القريبة من المديرية والتي تصدر الكهرباء إلى نواحٍ مختلفة من البلاد، لكنها لم تصل بعد لهذا الجزء المغيب من التنمية، فهل سترى مديرية مقبنة النور بعد هذا التغييب المستمر لسنوات؟ وأهلها لا يريدون حالياً أكثر من الخدمات الأساسية التي وصلت إلى العالم قبل عشرات السنين .
تغريدة..
نحتاج إلى من يلتفت إلى المناطق المدنية حتى لا تتحول إلى مناطق قبلية تمارس الأخطاء وهي تبحث عن الحقوق.