أدرجت تعليقاً على حائطي في الفيس بوك حول فضل العمل على أرض الواقع في سورية عن العمل على الشبكات الاجتماعية بما في ذلك فضل الشهادة ولو كان الموت على الفراش، فإذا بي أتفاجأ من ردود فعل قاسية من أحد الأصدقاء المضافين لدي؛ مع سيل اتهامات بالتقصير والتخاذل من قبلنا – من نعيش في الخارج- وصلت إلى التهم بأن غربتنا هي غربة في الفنادق والملاهي، لذا كان لا بد من الإسهاب والتوضيح..
وفي حقيقة الأمر؛ لو أدرك صاحبنا الذي علق حقيقة ما كتبه لخجل من نفسه وما كتب، فالدور الذي يبرز اليوم تكاملياً في معركة الحرية والثورة ضد النظام المجرم، كان قبل سنة ونصف مختلفاً تماماً، ولو تذكر لرأى أنه كان حينها مطمئنا في وطنه ومدينته وفي بيته وبين عائلته يضحك ويلهو، ولتذكر كذلك أنه طالما حلف بحياة قائده المفدى – آنذاك – وطأطأ رأسه، ليدفع غيره فاتورة غربة مريرة نتيجة رفضهم للعيش بحرية وكرامة منقوصة؛ بل منعدمة!!
وليس هنا المشهد مقارنة أو مزاودة ولكنه توضيح، فكاتب هذه الكلمات ومثله ألوف من أبناء سورية ولدوا في الخارج ولم يشاهدوا الوطن، بل حتى وحرموا لفترات طويلة من رؤية أقاربهم، ومورس الضغط عليهم من خلال الإساءة المستمرة لأقاربهم بالداخل واستهدافهم واعتقالهم لمرات متعددة، وحرموا من أبسط حقوقهم الذي يتمثل في حق الجنسية وجواز السفر... والغربة نارها شديد، والشخص مهما علا ونجح في غربته يبقى "غريباً" وهذه حقيقة لا يعرفها إلا من جربها!!
والثورة لم تأتِ جزافاً وعبثاً، وإن كانت الثورات العربية ساهمت بشرارتها، وإنما هي تراكم لتضحيات قدمها آلاف من أبناء سورية الطاهرين على مدى أربعين سنة، كثير منهم هُجِّروا ولاقوا ربهم بعيدين عن أهلم ووطنهم؛ كوتهم نار الغربة قبل أن تكويهم سنون العمر.
وحتى في مشهد تفجير الثورة وبداياتها، فسوريو الخارج لم يكونوا بعيدين عن ذلك، بل كان لهم اليد الفضلى في ذلك – وليس كل التفاصيل تُذكر – ولكن ماتم من تهيئة جو عبر شبكات التواصل الاجتماعي، والدعوات للخروج، وحتى التنسيق بين أولى المجموعات التي خرجت لم يكن ليتم – بعد فضل الله - لولا جهود أبناء سورية المغتربين فيها بالجزء الأكبر.
ومع جميع مراحل الثورة وحتى اليوم؛ من كان ليسمع أصوات الأحرار في سورية لولا جهود ناشطين إعلاميين من خارج سورية؟ ومن كان سيعرف بحيثيات وتفاصيل ما يحدث لولا مساهمة الناشطين في الخارج بذلك؟ وهل كان سيستمر صمود الداخل لولا دعم الخارج له بالسلاح والمال والدواء والغذاء؟ وذلك كله بعد فضل الله عز وجل..
الصورة تكاملية؛ ومن يحاول العبث بها وتشويهها، وتغييب أجزاء منها فهو مخطيء ولن يرحمه التاريخ ولا ضمير الأمة الجمعي الذي بات متحرراً من الإملاءات.
حمزة العبدالله
سورية.. الخارج والداخل 1667