من منا لم يتعرض يوماً لمشكلة تدعى... الوساطة ؟! من منا لم يتذمر مستقبله نتيجة... الوساطة ؟! من منا لم تضع فرصة عمره وأمله وهدفه بسبب... الوساطة ؟! من منا لم يعط حقه سواء كان ذلك في المدارس, والجامعات, والمستشفيات... الخ بسبب الوساطة؟!..
أينما نذهب نجد الوساطة في كل مكان, في كل مجتمع من المجتمعات, في كل بلد من البلدان, لم يبقَ الآن مجتمع خالٍ منها, فهي الآن أصبحت أسرع وسيلة للوصول إلى جميع ما يريده البشر, إن الوساطة أصبحت أمر حتمي حاصل بلا نقاش في مجتمعنا والمجتمعات الأخرى, أصبح الآن كل مواطن يصل إلى ما يريد من خلالها, بغض النظر إذا كان يستحق ذلك أو لا...
الوساطة مرتبطة بصورة كبيرة بالقبلية فهي وليدة لها, واستمرارها يعَّمق ويكرس الروابط القبلية والعائلية, ولكنها تتناقض مع مبدأ سيادة القانون وتكافؤ الفرص, حيث أن شيوعها يجعل من مبدأ تكافؤ الفرص الذي هو وليد لمبدأ المساواة, مبدءاً نظرياً ليس له تطبيق على أرض الواقع, بل يصبح هذا المبدأ مجرد موضوع سخرية من قبل المواطنين.
لكن تساؤل : ماذا عن مبدأ سيادة القانون؟ أين القانون...؟!
الأشخاص الذين يصلون إلى ما يريدون بالوساطة, يحققون مرادهم مع أنهم لا يستحقون ذلك في الأغلب... لكن ما هو ذنب المواطن الذي تضيع فرص حياته في الكثير من المجالات سواء كان في التعليم أو الوظيفة وغيرها من المجالات... لان هناك أُناس أَولى اخذوا مكانهم... لكن بالوساطة !!!
كم من الأشخاص ذهبوا إلى المستشفيات وكانوا بحاجة ماسة وسريعة إلى العلاج, لكن فجأة... يدخل شخص وكأنه هو الذي بحاجة... تظنه إنساناً كبيراً وحالته حرجة وبحاجة فورية للعلاج لكن سرعان ما تكتشف أن بجانبه "طبيب" يُشّكل له قرابة, ولا يريد منه أن ينتظر طويلا...!!! وذاك الإنسان المريض جداً يبقى جالساً ينتظر الفرج من رب العباد... من منا لم يتعرض يوماً للوساطة في جامعاتنا... من ؟!!!
تجد الكثير من الطلاب يدرس ويكافح ودرجاته تصل لمستوى عالٍ جداً, لكن يفاجأ ذلك الطالب بأنه لم يحصل عليها... لماذا ؟!!!.
لأن هناك طالباً آخر يستحق تلك العلامة بدلاً منه لكن "بالوساطة"...
وبالتأكيد الوساطة لا تقتصر على هاذين المجالين, فجميع مجالات الحياة الآن مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بهذه الوسيلة الشنيعة القاتلة, الآن لا يخطو البشر أية خطوة في حياته إلا إذا كان له سند قوي يستند عليه ويحقق ويسهل ويسرع حاجاته, دون أن ينتظر أي شيء... كما ينتظر أناس آخرون يعيشون بدونها...
إن الوساطة سبيل في نشر الظلم في المجتمع, ونتيجة لانتشارها يصبح المجتمع يحمل أشخاص غير أكفَّاء وغير مناسبين يشغلون الكثير من الوظائف, كما أن شيوعها يؤدي بشكل كبير إلى انتشار روح الكراهية والحقد في المجتمع, ويدفع العديد من المواطنين إلى اليأس والإحباط لعدم كل مواطن من الحصول على حقوقه.
أريد أن أطرح تساؤلاً : الأشخاص الذين ليس بيدهم سلطة أو وساطة, كيف ومتى يدبرون  ويحلون أمورهم ؟! إلى متى ستبقى هذه الجريمة البشعة في مجتمعنا... إلى متى ؟!!!
هذه المصيبة العظيمة, قاتلة للبشرية والإنسانية, ومدمرة للمبادئ الأخلاقية... دعونا نتخلص منها, يداً بيد لنكافح الفساد في مجتمعنا، هل يجب أن ابحث عن وساطة لقبول ابنتي في الجامعة مثلا لكي أحقق رغبتها للوصول إلى أن تكون طبيبة، اعتقد أنها جريمة كبرى أن يصل الأمر إلى هذا الحال، متى ندرك خطورتها لكي نقف جميعا أمام هذه الظاهرة الخطيرة ؟؟