الحياة جميلة حين تكتمل جوانب السعادة فيها، ولد صالح، ومال وعافية، استقرار أسري، أمان اجتماعي وطمأنينة دينية، يا الله منتهى النضج الطبيعي الذي يظهر الحياة كأروع ما تكون بالرغم من وجود بعض المنغصات التي تكسر ابتسامة الرضا أحياناً على أبواب الفرح، وهكذا هو الحال مع الإنسان كعقل وروح وجسد يصل إلى منتهى النضج الجميل الذي لا أدري لماذا يحلو للبعض أن يسميه (سن اليأس)، بل أنني أراه سن النضج والحكمة واكتمال مواصفات الجمال، أرى أن تلك التجاعيد طوت في حناياها مواقف ومشاهد وقصصاً وذكريات، أراها نقوشاً أثرية عتيقة محفورة بإزميل السنين على أجساد وعقول وأرواح تذبل كما تذبل الأزهار ثم تقطفها رياح الموت رغماً عنها، لكن دون أن تبقيها عارية!..
تلك القبور التي نسكنها بعد الموت هي من تجعل لإنسانيتنا وزناً أنها تحترم آدميتنا، لا تبعثرنا، لا تلفظنا كجسم نتنٍ خارج فكيها.. هي تعرفنا، نستطيع تمييز هوياتنا لأنها مسكونة بمن هم أهل لهذه المهمة، من النضج والحب والجمال الذي يسكن الروح وما أروعه من سن لأنها تمنحنا وقاراً براقاً لا يمكن أن يخبو مهما تغشت جلودنا تلك التغضنات اللذيذة وأصبحت زوايانا مترهلة حد السقوط! لا وجود لليأس في بوتقة حياة كل ما فيها يضج بالحركة، وما دامت عروقنا تستقبل طوافين الدماء حتى الغرق لا يأس أبداً.. لا يأس، هو مجرد دورة حياة رائعة محفوفة بالرقي وأنماط السلوك المصممة خصيصاً للاستيعاب البشري والمنقاة بعناية إلهية فائقة الدقة تتناسب تماماً مع تلك الكينونة الممزوجة بكون رحيب وهذه هي القصة، شجرة كانت بذرة، يُعرِّيها الخريف ويكسوها الربيع ثم تأتي لحظة الانطفاء فتنطفئ وتذوي ونجتث جذورها حتى لا يبقى لها أثر، لكن هذا لا يعني أنها لم تكن مثمرة يوماً، بل كانت كذلك فأطعمت الكثيرين، واستظل تحت أغصانها كثيرون، منحت كل ما تستطيع لكن لا شيء يبقى إلى الأبد وهذه سنة الكونة، فلماذا تنعت هذا الإنسان الذي كد وتعب وكثيراً ما بكى وانتخب باليأس أو الآيس من الحياة ؟! لماذا نلغي تاريخه ولا نتذكر إلا خريف عُمره وكأنه يدور في ساقيه الأجساد، البشر بأرواحهم وليسوا بأجسادهم في النهاية.
نعم قد تشيخ أعضاء البشر ويصيبها الكسل والبطء والتواني، قد تفتر عزائمهم ويصابون بالخمول قد تشيب هاماتهم وتتساقط أمنياتهم على أرض المستحيل كما تتساقط حبات البرد.. نعم قد يحدث كل ذلك لكن لا تترهل الأرواح، ولا تفتر النوايا، لا تشيب الهمة وهذه هي روعة الخلق التي غمرت الكيان الإنساني وستبقى ما بقي الإنسان شامخاً بالإرادة، نابضاً بالحياة دون يأس، قولوا: سن النضج، سن الحُب، سن اكتمال صروف الحواس وتمام صفاتها ووصولها حد الشبع والاكتفاء..
ألطاف الأهدل
لا صحة لوجود سن اليأس 2061