لأن الفقر يا سيدي عندنا أكثر من لون وأكثر من معنى وأكثر من لغة، فهل أنت على ثقة أنك تفقه كل اللغات، وتسمع كل النبرات، وترى كل ألوان الحاجة والفاقة والعوز؟ للفقر في اليمن وجوه عديدة، لأنه عاش فيها أزمنةً مديدة منذ أن كان السد وكانت السعيدة!
يا سيدي، للفقر في هذا الوطن نكهة خاصة، خالية من العون والغوث وكل أشكال الإعالة، الأغنياء عندنا معدودون بعدد أصابع اليدين وحتى هم يخشون الإصابة بداء الفقر!..
تخيل يا سيدي أن تبيت ليلك جائعاً، تنحت أزاميل الجوع أحشاءك، ويفتت البرد مفاصلك، وتنهش جيوش الجراثيم والفيروسات أسوار جسدك، تخيل أن تبيت وقد أثقلتك الديون، وقضت مضجعك الهموم، استصغرك الكبير وشمت بك الصغير، ولم تجد من ينصف مظلمتك من قريبٍ أو بعيد.
تخيل يا سيدي أن يصبح ثوبك لوحة مرقعة بشتى ألوان الحيلة حتى تستطيع أن تخفي عورتك، أو أن تصبح دروبك غارقة في بحر الحيرة وليس هناك من يقضي حاجتك، تخيل أن تعيش على الفتات الذي يلقاه سواك عنوة، وأن تنتظر مغرب الشمس حتى تبحث في أكوام المخلفات عن ما يسد رمقك، تخيل أن تشتهي عيناك كل شيء، وأن يتمنى قلبك كل شيء وأن تحلم أن تحصل على كل شيء ثم تبيت خالي الوفاض لا تملك مما صبت إليه نفسك شيئاً!.
تخيل أن تعيش يوماً كأحد هؤلاء الشباب، لا يجد عملاً لقلة فرص العمل، ولا يملك مؤهلاً جيداً لتردي التعليم وانحطاطة، يرغب بزوجة فلا تجد، يحلم بولد ومحال أن يجد الدفء من أضاع الغطاء!..
تخيل يا سيدي أن تعيش تحت خط الفقر، تسير بقنانيك البلاستيكية كل يوم لتحصل على الماء، تخبز عجين البؤس وتقتات اليأس وتحيط بك الكلاب والذئاب البشرية من كل جانب، تستغيث بنخوة الكبار فيصم الكبار آذانهم، وتستحث مروءة أولي الأمر فيديروا لك ظهورهم، تستصرخ الناس فيستغشي الناس عنك ثيابهم!..
تخيل يا سيدي أنك لا تستطيع تلبية حاجة أطفالك، أو تشبع جوع زوجتك، أن تحمي نفسك من أعدائك، وأن تأمن غدر أصدقائك..
المال عندنا يا سيدي يصنع المعجزات، كم تجاهل من مواهب، وتغاضى عن أصحاب رؤى، كم حطم قلوباً وكم أباد شعوباً، وكم أخفض من راية حقٍ ليعلي راية راقصةٍ لعوب!..
تخيل أن تفتح عينيك كل صباح وتغمضهما كل مساءٍ وسياط الظلم تغزو مساحات جسدك كعدوٍ شرس وليس هناك من ينصفك، لا محاكم تنطق بصوت العدل، ولا إمارة لأميرٍ يرعى رعيته بالحق، ولا دولة.. لا دولة.. تخيل يا سيدي لو كان هذا حالك ما عساك تصنع؟! ما عساها حيلتك؟!.
هذا يا سيدي حال السواد الأعظم من هذا الشعب فانظر ما أنت فاعل إنا هاهنا منتظرون وعلى ربنا متوكلون..
ألطاف الأهدل
يا رئيس الوزراء.. هل سينعدل حال الفقراء؟! 2018