كلما عبثت بك صحراء الحياة اجعل لك من بحرها نصيباً، وأرسل إليها بعض رسائل الشكر والعرفان إذا خذلتك أو آوت إليها من أساء إليك، كن قادراً على التكيف مع النار والجليد فالحياة ليست أريكة مريحة تنتصب إلى جوارها مدفأة وقطة وديعة تلهو بكرات الصوف، ولهذا تتكئ الأشواك مع خاصرة الورود وحدود الثمار، وتختبئ الصواعق في رحم السحاب، وتخفي ابتساماتنا خلفها دموعاً غزيرة.. إذ أن الحياة أحزان وأفراح مختلطة، فليس أبيضها ناصعاً وليس أسودها قاتماً.
كن قادراً على التجديف صوب الشاطئ أو نحو المصب ولا تتعجل الوصول قبل أن تُقرع أجراس اللحظة لتصل، تحلى بصفة التكيف وابحث في نفسك عن ما يبقيك منسجماً مع محيطك متفاعلاً معه، ما دمت على قيد الحياة ابق كل الطرق سالكة ولا تغلق أبواب الود والألفة مع الناس ولا تقبل أن تبقى على المحك واتخذ الحرية شعارك وعش كما أنت بكل ما فيك من جميلٍ وقبيح، فمن منا تخلو صفاته من الفظاظة أو الشراسة أو البرود؟! من منا يطير بجناحي ملك؟ كلنا يقع ويكبو، ربما هوى أو تدحرج، لكن المهم أن نقف بعد كل سقوط تشهده حواسنا العاثرة.
كن جميلاً بمشاعرك، أنيقاً بكل أحاسيسك، وتفانى في فهم الحياة حتى لا تبقى ألغازها عقبات في طريقك، وحين تشعر أنك أصبحت بعيداً عن نفسك امنحها النقيض من كل شيء، إذا أرهقك البعد اقترب، وإن أتعبك الجوع فتش عن كنز القناعة تشبع، وإذا أدركك الهم ابتسم، وإذا مللت الترف أحسن البحث عن المعدمين تسعد.. وهكذا كن دائم البحث عن الوجه الآخر للحياة لتتضح أمامك معاني المفردات وأضدادها ومرادفاتها، لا شيء يبقى، كل شيء إلى زوال، فلا تستهلك طاقتك في تخليد كل ما حولك وتنسى نفسك، ولا تستعظم كل من حولك فتفقد وزنك، وكن في منتصف المسافة بين الضعف والقوة، وبين الحلم والغضب وبين الصفح ورغبة الانتقام.
لكل كتاب في الحياة دفتان ولكل شيء فيه بداية ونهاية، ولهذا يجب أن تعلم أن لا سعادة دائمة ولا حزن دائم، لا فقر باقٍ ولا غنى مستمر، حتى أنت أيها الإنسان ما خلقت إلا من أجل أن تموت.. وهكذا، لا تسير الحياة في خط مستقيم، بل هي سلسلة من الدوائر اللامنتهية، تأتي من فراغ المشيئة وتتلاشى في ماهية القدر، فوضى منظمة من الأحداث، عوالم غير مرئية من التصورات والإنجازات، عجلة تدور ويدور كل ما فيها.
كن برمائياً في توقعاتك ولا تبني قناعاتك قبل الوصول إلى النتيجة التي تحلل إحداثيات الواقع كما هو، وابدأ دائماً بوزن المعادلة من داخلك دون أن تسرف في التخلص من عناصرها الثابتة وذراتها السائبة، تقبل الواقع كما هو، فإن كان ممطراً لا تنسى أبداً أن تحمل مظلتك وإن كان مثلجاً ارتدي ما يبقيك عند خط الاستواء وإذا شعرت أن زلزالاً يهز الأرض تحت قدميك فلا تيأس من النجاة مطلقاً، لا تكن سطحياً فتغطيك قشور البلادة والنزق، ولا تغُص عميقاً فتلغي معالمك الأمواج وحاول أن لا تترك لبقائك أثراً سيئاً.
كن شديد التأقلم، لكن دون أن تفقد صفاتك الأساسية أو حتى الثانوية، كن كما أنت سواءً أجبرتك الأيام على البقاء قائماً أو قاعداً أو مستلقياً على رصيف الحياة، فقد أبق قلبك نابضاً بالأمل.
ألطاف الأهدل
كُن برمائياً!! ... 1965