هيكلة القوات المسلحة ليست إلا بداية لهيكلة وطن برمته شعباً ودولة ونظاماً وجمهورية ووحدة واقتصاداً وإدارة وتعليماً وصحة ودستوراً وإعلاماً وثقافة وسلوكاً ومواطنة وقبيلة وتاريخاً وجغرافياً وسلاحاً وقاتاً وأحزاباً وووالخ، فمسألة الهيكلة لم تعد تقتصر على هيكلة جيش وأمن وإنما الوطن بكله بمسيس الحاجة إلى صياغة جديدة وإعادة هيكلة .
لماذا وكيف باتت الهيكلة قضية وطنية عامة وشاملة ؟ فلأننا كشعب بحاجة ملحة إلى هيكلة كل شيء في هذه البلاد بدءاً بماهية النظام السياسي ورئاسة الدولة – مشروعية ومدة زمنية وصلاحية ومسئولية – مروراً بالحكومة والبرلمان والقضاء وليس انتهاء بهيكلة الإدارة والمال والإعلام والوظيفة والخدمات والقانون والتعليم والصحة والشرطة وحتى أسواق القات والطماطم والورش إذا لم نقل الباعة المتجولين وسيارات الأجرة .
الواقع أننا إزاء أكبر كارثة عصفت بالبلد وأحالته إلى حطام وأشلاء متناثرة ممزقة لا جدوى من استعادتها للحياة ثانية ، أين جلت بنظرك أو حللت فلا ترى غير وطن يحتضر ، وأبدان منهكة هزيلة منتظرة رحمة السماء ، وأفكار حائرة محبطة أكل منها السقم وشرب ؟ .
نعم وطن كله يستلزمه هيكلة أكبر واشمل من مجرد هيكلة مؤسسة الجيش أو هيئة أو وزارة أو خدمة بعينها ، فمعظم بنيوية الدولة القائمة ضعيفة وهشة لا يمكن البناء والتأسيس عليها وهي بوضعيتها الحالية غير قادرة على فرض سلطتها ونفوذها على قائد لواء أو كتيبة .
إننا نتحدث هنا عن دولة تكاد غائبة ومفقودة في ذهن وواقع نعيش كثيراً من فصوله خارج سياق الدولة ونظامها ودستورها وسلطانها، وعندما تكون الدولة فاقدة لوظيفتها الأساسية المتمثلة بحماية مجتمعها وقوانينها وخدماتها ومكاسبها ؛ يصير الكلام عن الوظائف الأخرى كلاماً سفسطائياً وعبثياً لا جدوى منه أو قيمة .
في الجنوب كانت هنالك دولة ذات سيادة وقوة وهيبة ، لذا وبرغم الصراعات والمحن التي كانت في الغالب صراعات سلطوية فوقية ؛ لم يشعر المواطن يوماً بالخوف والجزع على الدولة ونظامها العام ، ففي كل الأحوال يتبدل الرؤساء والقيادات والخطاب فيما الدولة تبقى ثابتة وراسخة لا تتبدل أو تتغير في حياة الناس وفي وعيهم ومسلكهم .
في الشمال لم تقم دولة لا قبل الثورة أو بعدها ، فباستثناء الرئيسين السلال والحمدي اللذين بذلاً جهداً خارقاً كي تبنى دولة ونظام في جغرافية ومجتمع مازالا خارج التاريخ ؛ كان الرئيسان الإرياني وصالح قد تماها مع القبيلة ولدرجة القضاء على ما أنجزه سلفهما من كيان دولة لم يبرح مرحلة التشكل والولادة .
في نهاية المطاف يمكن القول بان هذا التعايش مع الفوضى كانت كلفته باهظة وكارثية على اليمنيين وعلى دولتهم واقتصادهم ووحدتهم ومعيشتهم وتعليمهم وصحتهم واستقرارهم وجيشهم وحاضرهم ومستقبلهم وووالخ .
وإذا واقع الحال بهذه الصورة المخيفة والمرعبة؛ فأن مسألة الهيكلة للجيش والأمن ليست إلا خطوة أولى يجب أن تتبعها خطوات متتالية ومتسارعة إذا ما أردنا بلوغ منتهى المسافة المطلوب منا اجتيازها ، إذ أننا مازلنا نتحدث عن كيان دولة هش وضعيف وعن هيكلة قوة ممزقة ومبعثرة.!
ما أعلمه هو أننا إزاء مرحلة تاريخية استثنائية عصية وخطرة لا ينفع معها الهيكلة الواحدة ؛ إنما الهيكلة لكل شيء فيها ، بدءاً بهيكلة الدولة وسلطاتها ونظامها وشعبها وقبائلها ومناطقها ودستورها ووحدتها، مروراً بمناهجها ومدارسها وجامعاتها وثقافتها وصحفها وقنواتها ومساجدها ومنابرها وطرقها وموانئها واستثماراتها وإنتاجها وجماركها وزراعتها وأسواقها ، وليس انتهاء بهيكلة مديونية الكهرباء والهاتف والبقالة والقات .
محمد علي محسن
هيكلة وطن وشعب !! 2371