أسأل وبكل عفوية وتجرد: لماذا هذه الثورة الشعبية؟ ولماذا توقفت البلاد وأزهقت الأرواح وسفكت الدماء؟ إذا كان غاية هذه الثورة هو إسقاط الرئيس علي عبد الله صالح ؛ فالثورة قد نجحت في خلعه واستبداله برئيس جديد، أما إذا كان هدف هذه الثورة إسقاط النظام العائلي العسكري فحتماً ستنجح بإسقاط بقايا العائلة ورموزها آجلا أم عاجلا !
لكن مثل هذه الثورة ليست هي الثورة التي خرج من أجلها اليمنيون وضحوا وكابدوا كل صنوف القتل والخراب والمعاناة، نعم فهذه الثورة لم تكن قط من أجل ذهاب رئيس ونظام ومجيء رئيس ونظام، إنها أكبر واشمل من أن تختزل بتغيير أو رحيل أشخاص ورموز نظام من مناصبهم ووظائفهم العسكرية والمدنية.
فمثل هذا المنطق والفهم أعتقد أنه كان سبباً مباشراً لإجهاض ثورة 26سبتمبر بما تعني من مبادئ وقيم جمهورية، فالحال أن ثورة الضباط الأحرار أخطأت عندما ظنت أنها برحيل الإمام البدر وعائلته قد أسقطت نظامه الإمامي السلالي الثيوقراطي إلى الأبد.
فلو أنها بالفعل تمكنت من اجتثاث النظام العائلي السلالي لما احتجنا اليوم وبعيد خمسة عقود من قيام النظام الجمهوري ثورة جديدة لإسقاط النظام العائلي القبلي المتخلف ! الفارق بين الثورتين هو أن ثورة الضباط أطاحت بإمام واحد تواليه أسرته وأقربائه وحاشيته ؛ فان ثورة اليوم قوامها الملايين ومع ذلك لم تستطع الإطاحة بكل سدنة وجلاوزة النظام الجمهوري الذي لطالما قال بأنه الحارس الأمين للثورة والجمهورية والوحدة.
على هذه الثورة وثوارها ألا يقتصر دورهم وفعلهم بتغيير طفيف وسطحي لا يتعدى الرئاسة والحكومة أو استبدال هنا وترميم هناك، فالحال أننا بمسيس الحاجة الى ثورة تتعدى قشور السطح إلى جذور أعمق واشمل، فدون الإيغال في صميم المشكلات والعلل المزمنة لا يمكن لهذه الثورة أن تحقق نتائج مهمة ذات قيمة للإنسان الفرد بكونه محور لكل نهضة وازدهار.
فعلى صعيد بناء الدولة التي مازالت قضية ماثلة وكذا فيما يتعلق بطبيعة النظام الجمهوري الذي تم وأده وبطريقة بشعة ومقرفة، ناهيك عن الوحدة الوطنية باعتبارها قضية ملحة يصعب حلها خارج سياق الثورة وإفرازها الايجابي المتمثل بانتصار أهدافها وقيمها وخطها ومفاهيمها، أضف للوحدة الوطنية مسائل عدة أساسية ولها صلة مباشرة بهوية الدولة الديمقراطية الحديثة وبنهجها واقتصادها وثقافتها ودستورها ونظامها وووالخ.
ينبغي أن تكون إجابتنا صريحة وواضحة وبلا مواربة أو مداهنة،فهل هذه الثورة بحق تجسد رغبة وإرادة جميع اليمنيين؟ إذا كانت كذلك فعليها ألا تظل مراوحة في نفس المكان الضيق الذي لا يتجاوز كون ما حدث سوى أزمة بين سلطة ومعارضة، بل على هذه الثورة وثوارها فتح أفق جديدة بحيث يمكن للواقع الثوري فرض مساراته وخياراته الحداثية النافذة لعمق الإنسان ذاته ولمشكلاته الحياتية وكذا تطلعاته وأحلامه وأفكاره التي للأسف مازالت مسائل هامشية لا يراد لها أن تكون مسائل أصيلة وأساسية.
خلاصة الكلام هذه الثورة لا يجب أن تكون ثورة هدفها الأول والأخير رأس النظام وأقربائه ورموزه بل على هذه الثورة أن تذهب لأبعد من إسقاط هؤلاء الذين مهما طال الزمن أو قصر هم ساقطون وزائلون، فكونها ثورة شعبية غير مسبوقة في التاريخ؛ فذاك يعني أنها يجب تنفذ وتخرق القاعدة الصنمية المعتادة بحدوث بتبدل فوقي نخبوي.
لا حوار اليوم قبل هيكلة حقيقية للقوة ولا استقراراً سياسياً دون توزيع عادل للثروة والقوة ودون مشاركة في السلطة، لا دستور جديد.. لا دولة ديمقراطية.. لا وحدة وطنية.. لا ديمقراطية وتعددية.. لا نهضة وتطور.. فكما قال المفكر العربي قاسم أمين (لا حرية بدون مواطنين أحرار) نحن كذلك لا ثورة دون ثوار أحرار قادرين على صياغة حاضرهم ومستقبلهم ونهضتهم.
محمد علي محسن
لا ثورة دون مواطنين ثوار 2558