منذ عشرين عاماً مضت وهي تخيط شوارع المدينة ببنان قديمها صانعة بذلك أجمل لوحة عطاء ملونة بألوان الشقاء والتعب والبحث عن لقمة العيش المغمسة بالعرق، منذ عشرين عاماً وهي تحمل صندوقها الكرتوني على رأسها كل يوم حتى أصبحت الحارة تحتفل بقدومها إليها كل صباح جالبة إليها أنوعاً من الخضار أو الفواكه أو الحبوب اللذيذة، طارقة كل أبوابنا النائمة في أحضان الصمت الطويل، رأيتها قبل أيام تعود إلى منزلها ساعة غروب الشمس وقد أصبحت بصمات أرجلها ثقيلة، شاخت الخالة ياسمين ولم تعد قدماها قادرتين على حمل ذلك الجسد المثقل بهموم الحياة، وأصبح صندوق الخالة ياسمين خاوياً! تلك المرأة التي أمضت عمرها في خدمة نساء الحي، توصل أسطوانات الغاز إلى المنازل وتحمل أكياس الدقيق على كتفيها كما يفعل الرجال، تزودهن بالمشاقر والمشموم كل خميس وتبيعهن الفحم الخالص في أيام العُطل ويمنحنها الثقة الكاملة لاختيار نوع الحناء ولونها طوال العام؛ كم هي رائعة تلك المرأة التي تعمل ببيع الخضار صباحاً وتتفرغ لمنفعة النساء بعد الظهيرة وتراها تعود ساعة غروب الشمس إلى كوخها الصغير راضية مرضية!..
الخالة ياسمين واحدة من نساء المهمشين الذين لم ندرك قيمة وجودهم بيننا إلا بعد أن فاحت شوارع تعز بالعفونة كأسوأ ما تكون، لكنني لا أراها مهمشة، بل أراها امرأة طاهرة نقية سامقة بعطائها وعنانها وعزيمتها التي قد يفقدها الرجال من أعلى طبقات المجتمع المخملي!.
من يشتري حذاء هذه المرأة التي ذاقت ألوان الخوف في أيام الثورة الشداد وهي تمارس خلق الوفاء لنا تحت وابل النيران؟! هل يجب أن يرحل الأوفياء والشرفاء وأولو العزم من الناس حتى تخلد ذاكرهم في قمصان وطابات وأحذية؟! لماذا لا نكرم مثل هذه المرأة على مرأى ومسمعٍ منها اليوم حتى تشعر أن في الحياة فعلاً ما يستحق العناء وحتى يعلم سواها ممن ينام نهاره ويسهر ليله كخفاش حقير أن الإرادة هي عنوان الحياة وأن الكسب النظيف والعمل الشريف باب للدخول إلى قلوب الناس قولاً وفعلاً.
من يشتري حذاء الخالة ياسمين ليمنحها إجازة راحة وعبادة وهدوء؟!
من يفعل ذلك لتستطيع ترميم جدران منزلها المتهاوية والحصول على مشروع صغير يعينها على كسب العيش جالسة بعد أن شاخت قدماها وهي تسيُر كل يومٍ كيلو مترات غير محسوبة صابرة ومحتسبة، من يشتري حذاءها من أصحاب الأموال الذين يقترفون الكبائر سراً وجهراً ولا يعلمون كيف يكفرون عن خطاياهم، ها أنا ذا أفتح عبر عمودي هذا مزاداً علنياً لمن أراد أن يدخل السرور على قلب هذه المرأة أو سواها ممن عرفت وممن لم أعرف لا أريد بذلك إلا وجه الله، ثم إشعار الجميع بأسمى معاني المسؤولية الاجتماعية، فالمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضهُ كما جاء في الحديث الشريف عن حبيبنا محمد الصادق الأمين (صلى الله عليه وسلم).
أن يساهم أحدكم في ترميم أو بناء منزل يلمّ شمل أسرة فككتها الحاجة وشرد أفرادها العوز من أعظم ما يمكن أن تصنع أيديكم لأنهًُ لا شيء في الدنيا يحبهُ المرء مثل منزلٍ يسترُ عورتهُ ويخبئ أسراره والباب مفتوح لمن أراد أن يدخل الجنة ويُزحزح عن النار!.
ألطاف الأهدل
من يشتري حذاء الخالة ياسمين؟! 2038