قدر الرئيس عبدربه أنه في مهمة استثنائية وفي لحظة تاريخية فاصلة وحاسمة، وإذا كان الرجل الأول هكذا حظه وقدره مع رئاسة دولة وفي ظرفية استثنائية حرجة؛ فهل سيكون عند مستوى المسؤولية والتحدي؟.. الإجابة مازالت سابقة لأوانها وستظل رهن المتغير والمحقق خلال المرحلة القادمة، ومع ذلك لا يعني بان المدة القصيرة الفارطة ليوم 21 فبراير ليس فيها ما يوحي ويشير بثمة استنتاج إيجابي يمكن القياس عليه .
ربما ظن الكثير أن الواقع أكبر وأعظم من أن تصلحه حزمة قرارات حكومية توافقية أو تغييرات رئاسية لا تتعدى تدوير القيادات المدنية والعسكرية، مثل هذا الاعتقاد المتشائم قد يكون صحيحاً ما بقيت انطفاءات الكهرباء مستمرة وما بقي النظام العائلي القبلي مهيمناً ومتخندقاً في مواضعه المهمة والحساسة .
فالغالب هو أن المواطن البسيط لا يرى سوى ما يلمسه في حياته اليومية، فحين عاد تيار الكهرباء فور تشكل وزارات محمد باسندوه شعر الناس بشيء من التفاؤل والاطمئنان، والعكس أيضاً عندما عاودت الاعتداءات على أبراج خطوط الكهرباء أو أنابيب النفط والغاز .
لكن المسألة هنا تتجاوز التيار والأنبوب والطريق، فالحال أننا إزاء مسائل كبيرة وخطرة تتعلق ببنيوية وهيكلية الدولة اليمنية وكذا بطبيعة نظامها الجمهوري ووحدتها الوطنية والمجتمعية، فجميع هذه القضايا مازالت مسائل محورية وشائكة ولا يدركها المواطن العادي .
على هذا الأساس ينبغي فهم وإدراك معنى أن تكون رئيساً لبلد لا توجد فيه غير سلطة الفرد والعصبة والقوة، أن تكون رئيساً لجمهورية فيما الحقيقة تؤكد أن هذه الجمهورية يتشاطرها الأب والأبناء والأشقاء والأقرباء، أن تكون رئيساً لدولة موحدة سياسياً بينما واقعها يستلزمه معجزة خارقة كي تبقى موحدة مجتمعياً ووطنياً .
التواريخ الاستثنائية عادة يستلزمها أناس خارقون للعادة، اليمن اليوم تعيش لحظات فارقة وعلى الرئيس عبدربه أن يكون استثنائياً وخارقاً وإلا وجد ذاته خارج سياق اللحظة الماثلة وبعيداً عن دوره التاريخي المناط به كرئيس استثنائي لمرحلة استثنائية ولمهمة محددة واستثنائية.
نعم الرئيس عبدربه يعد رئيساً لدولة هشة وضعيفة لا تقوى على بسط وجودها وسلطتها على عاصمة البلاد (صنعاء)، ونعم توجد أمام الرئيس المنتخب عوائق ومطبات بحجم نقم وعيبان، ولكن بالمقابل يوجد لديه من المشروعية والأدوات والدعم الشعبي والإقليمي والدولي ما لم تتوافر لإسلافه السابقين.. فحين يتمرد قائد عسكري ويعلن رفضه للقرارات الرئاسية؛ فذاك دليل وبرهان لماهية الواقع المرير والمخيف، الذين مازالوا في غي المنجزات العظيمة التي أرساها صاحب الفخامة الرئيس السابق أدعوهم النظر إلى أفعال قائد القوات الجوية ومدير المؤسسة الاقتصادية ووووإلخ من القيادات العسكرية والأمنية التي مازال ولاؤها للنظام العائلي القبلي المتخلف، فما نشاهده الآن من عنت ورفض ومقاومة لسلطة الدولة ولقراراتها الصادرة لا يؤكد سوى أن الرئيس السابق لم يقم لا دولة ولا نظام يمكن الاعتداد به ولو في العاصمة السياسية .
مفارقة عجيبة ومريرة، ففي العام 70م اصطلح الجمهوريون مع الملكيين بعد حرب ضروس دامت 8 سنوات؛ ها هي الثورة وجمهوريتها بعيد عقود نيفت الثلاثة لم تزل في مواجهة النظام السلالي العائلي (الجملكي).. الفارق بين الأمس واليوم هو أن صلح عقان أعاد 17 ملكياً من النظام الكهنوتي السلالي إلى النظام الجمهوري وبواقع واحد لمجلس قيادة الثورة و3 للحكومة و13 للمجلس الاستشاري، بينما اتفاق الرياض يريد إبقاء الرئاسة والحكومة والبرلمان والحزبية بيد الرئيس السابق وعائلته وأقاربه وعصبته .
شخصياً أعتقد أن عجلة الدولة بدأت حركتها، بطيئة وثقيلة في دورانها لكنها وبرغم كل التشاؤم والجحود تدور وعلينا ألا نقف موقف المتفرج السلبي، بل يجب الدفع بهذه الدولة الناشئة كي تؤخذ طريقها ودورانها .
فإذا كان قدر الرئيس عبدربه أنه كمن يمسك مقود سفينة في محيط لج عاصف ومضطرب؛ فإن ركاب هذه السفينة - التي تتقاذفها أعاصير المصالح الأنانية وتيارات العصبية والجاهلية والمناطقية والطائفية- يجب ألا يرهنوا مصيرهم بنجاح أو إخفاق رئيسهم الجديد وحكومته من قيادة سفينة البلاد والعباد إلى شاطئ النجاة والأمان .
في تقديري قد يفلح النظام السابق في إعاقة حركة الدولة الجديدة وربانها الرئيس عبدربه وحكومته ولو لبعض الوقت، لكنه لن يستطيع إعادة العجلة إلى الخلف أو يكون بمقدوره وقف عجلة الدولة اليمنية، فالمهم هو أن هذه الدولة انطلقت ولم تعد ساكنة وواقفة في ذاك المكان والزمان اللذين طوت صفحتهما هذه الثورة المباركة .
صحيح أن ما حدث لثورة الحاضر يشبه لحدٍ ما ما وقع لثورة الماضي؛ لكن وإذا ما نظرنا لثورة اليوم ومن نواحٍ عدة وطنية وإقليمية ودولية وتاريخية ومجتمعية سندرك حتماً أن ثورة اليوم مختلفة كلياً عن ثورة الأمس.. وعليه فإن هذه الثورة قد تتعثر وقد تتصادم مع منافع ومصالح الكثير، لكنها في النهاية ستمضي إلى الأمام ولن تتوقف أو تتراجع للوراء .
محمد علي محسن
لحظة فارقة ورئيس استثنائي 2505