أأقول وداعاً يا صديقي، ولكن مثلك أيها الرفيق قاسم الذرحاني يرحلون بغتة وبلا وداع، فما أقسى رحيلك المفاجئ يا صاحب، خلسة ودونما تقول وداعاً حتى لرفاق رحلتك إلى عدن الذين قلت لهم: أبقوا هنا قاعدين، سأتقصى لكم حقيقة هذا الشلال المتدفق الواقف في طريقكم، كلا إنني لن أهابه أو أخشاه، ابقوا في مقاعدكم ريثما أعود لكم بالنبأ اليقين.
ولكنك يا صديقي رحلت بعيداً عنهم وعنا، فلم تعد لمقعدك وتوأمك القيادي الاشتراكي فضل الجعدي ، لماذا آثرت الرحيل على العودة إلى رفاق مسيرتك ؟ كيف قررت ألا تعود ونحن الذين كنا في انتظارك؟ كيف لا نحزن وكيف لا نبكي حرقة وندماً لفراقك أيها القاسم العنيد والصلب؟.
لسنوات نيفت الـ18 وأنت أيها الاشتراكي كما أنت في موقفك وشجاعتك وشهامتك ونبلك وصراحتك ووفائك وإخلاصك لمبادئك وأفكارك الوقادة المنافحة لأجل قيم الحق والعدل والمساواة ، حين كنت أراك ينتابني إحساساً بأنك أروع صورة وأوجز تعبير لمقولة شاعر تشيلي واليسار بابلو نيرودا القائل ذات حقبة: الجميع ذهبوا.. الجميع رحلوا.. الجميع ماتوا.. إلا أنا لم أذهب ولم أرحل ولم أمت.
آه يا صاحبي ما أوجعنا بفقدك، فما من إنسان عرفك إلا وتركت فيه أثراً لا يمحى، فكيف برفاقك وأترابك وأهلك الذين كنت لهم نعم السياسي الصنديد الذي لن تغريه المناصب أو المكاسب الشخصية، كما وكنت لهم نعم الإنسان الوفي والشجاع والشهم، فأياً كان خلافنا معك إلا أنك في النهاية لم تضمر شراً لأحد أو تقول يوماً إن رأيك حق ويجب أن يتبع .
يا صاحبي كيف ترجلت فجأة؟ إنها لمصيبة وفاجعة هذه التي رزينا فيها بخسارتك وأنت في قمة عطائك وفي تمام نضجك ومراسك الحزبي، فخسارتك لم تكن للحزب الاشتراكي الذي تقوده بهمة وحيوية مذ صار وأدٍ غير ذي زرع وفق وصف أمينه العام للدكتور ياسين؛ بل للمشترك الذي توفاك الله وأنت رئيسه في المحافظة وللمعارضة عامة التي لا أتخيلها من دون صوتك الجهوري المشاكس .
كلا يا صديقي لن أودعك، فمثلك لا يرحلون عنا سوى بأجسادهم أما ذكراهم فتبقى فينا ما حيينا ، كيف لا وأنت الرفيق الذي إن قال لك إني معك ؛ فلن يخذلك أو يختلك.
ذات يوم من سنة 99م كنت حاضراً لقاء موسعاً في ديوان المحافظة، حينها وجدتني وصحيفتي (الأيام) عرضة لسهام الكلام، فأغلب الخائضين في الاختلالات كانت تنقصهم الشجاعة كي يقولوا الحقيقة، فلم يبق وقتها سوى قولهم بأنني وجريدتي مسؤولين عن مجمل حوادث العنف، كنت أنتظر سماع كلمة حق وفي موقف كهذا ، وحده القيادي الجسور قاسم الذرحاني رد وبسخرية وتهكم قائلاً: على أجهزة الأمن والتحري القيام بواجبها بدلاً من إلقاء التهم جزافاً على صحيفة لم تقصر بواجبها، فنشرت كل ما يسمعه السكان كل مساء، فلماذا نلقي باللائمة على صحيفة لمجرد قيامها بعملها فيما لا أحد يحدثنا عن مسؤولين لا يؤدون واجبهم؟.
يا الله كم هي فجيعتنا برحيلك أيها الكهل العجوز؟ فمن ذا الذي في جوفه قلب ينبض ولا يبكيه رحيلك؟!، في كل مرة التقيت بك كنت تعيد علي قراءة ما كتبته في الصحف، أتذكر وبحسرة وبمرارة كيف أنني خسرت صديقاً رائعاً وساخراً؟، فما إن تصادفه أو تجلس معه إلا ويعج المكان بضحكة لا إرادية، ما من مرة تفتح معه موضوعاً إلا ويطلق العنان لفلسفته المكتسبة كي تثريه جدلاً ونقاشاً .
غداً سأذهب إلى عملي ولن أصافح وجهك ثانية، أيها الراحل عنا سنفتقدك كثيراً، أعرف أنك لن تأتي بعد اليوم إلى مقر حزبك ، إلى بائع الصحف الكفيف عارف الحزمي ، إلى مخبازة السمك ، لن أراك بمعية رفاقك الجعدي وعبدالحميد والشاعر محمد جعاش واحمد ناشر والزعلي والشوبجي وعلي شائف، لن أسمع تعليقاتك الساخرة أو نكاتك اللاذعة، لكني وبرغم حزني على فراقك لن أقول لك وداعاً، فمثلك لا يرحلون، بل يبقون ذكرى لا تموت .
ختاماً ليس لنا سوى التذكير بكلام المصطفى عليه أفضل الصلوات والتسليم القائل: (استقبلوا البلاء بالدعاء)، أو كما قال علي كرم الله وجهه :
لا تجزعنَّ إذا نابتك نائبة .. واصبر ففي الصبر عند الضيق متّسعُ
إن الكريم إذا نابتهُ نائبةُ .. لم يبد منه على علاَّته الهلعُ
عزاؤنا للجميع أهله وذويه وصحبه ورفاقه، فخير ما نذكر به هو قول المولى تعالى (وما تدري نفس بأي أرض تموت) و(إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة، ولا يستقدمون)، صدق الله العظيم ولا حول ولا قوة إلا بالله.
محمد علي محسن
أوجعنا رحيلك 5395