كثيرون يشكون من ذلكَ الجفاف الذي أصاب العلاقة الأخوية على مستوى الأسرة، حتى أصحبت خاضعة للهواء والأمزجة بدلاً من أن يكون المقياس رحم معلقة تحت العرش تقول:" من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعة الله". حتى وصلن لدرجة التآمر والقتل والاعتداء وسلب الحقوق بين أشقاء حملتهم بطن واحدة، فما الذي حدث؟! ما الذي تغير في هذا الكون ليصبح البشر بهذه البشاعة وهذا الإجرام؟! لا إجابة إلا أن تحكيم قوانين الأرض طغى على تشريعات السماء وتقدمت العادات على أداء العبادات وانشغلت الدول والأنظمة ببناء الجماعات متجاهلة بناء الفرد الذي هو أساس لقيام مجتمعات صالحة وتم استبدال كتاب السماء العظيم بكتب الأرض التي حتى وإن شرعت ونظمت علاقات الناس ببعضهم البعض إلا أنها تجهل الفطرة البشرية ولا تراعي حق الإنسان كإنسان وتعجز عن إيجاد أفق واسع للتقنين بعكس القرآن الكريم الذي شرع لظاهر الإنسان وباطنه وحاضر الأمر ومستقبله، قد يتفق الاثنان في تطبيق العقوبات والدعوة لحفظ الحقوق، لكن القرآن قبل أن يفرض العقوبة ويشرح آليتها ويحدد أدواتها دعا إلى الفضيلة ورغب الإنسان بالجنة ورهبه من النار، بينما لم تضمن القوانين الوضعية لهذا المخلوق أدنى درجات الرُقي الروحي والشفافية المطلقة..
وبالعودة إلى موضوع العلاقات الأخوية فإن الملاحظ أن المادة تبدو طاغية على صلة الرحم، لأن مقياس الحياة برمته أصبح مغلوطاً، فالناس لا ينظرون إلى الحياة ببساطة ولا يتعاملون معها بصفتها اللحظية، بل إنهم يتصرفون وكأنهم مولودون فيها إلى أبد الآبدين، ثم إن للتنشئة الأسرية دوراً في قوة الترابط الأخوي من عدمه، ذلك لأن تفضيل أحد الجنسين على الآخر مثلاً أو تفضيل الكبير على الصغير أو الصحيح على المريض أو الطيب على الخبيث.. كل هذا يؤدي إلى نشوء علاقات كراهية متوازية تماماً مع علاقة زمنية حتى تساوي أعمار هؤلاء الإخوة طردياً بل وتزيد ولهذا نحاول دائماً أن نلفت نظر الآباء والأمهات إلى ضرورة العدل في المعاملة بين الأبناء سواءً كانوا من أم واحدة أو من أمهاتٍ عدة، فالرابط الأخوي الذي يجري بين الأبناء مجرى الدم يبقى ثابتاً لا يتغير أبداً.. أيضاً هناك عامل هام أدى إلى وجود هذه الهوة بين الأخوة وهو الإقبال على الدنيا بكل ما فيها من طيب وخبيث حتى أصدقاء السوء الذين ربما فضلهم البعض على إخوانهم، لأنهم لا يتناهون عن منكرٍ ولا يأتمرون بمعروف، بل يزين كل منهم الشر لصاحبه كما تزين العروس يوم زفافها حتى يقع الواحد منهم في مستنقع الخطيئة يتبعه صاحبه لا يمنعهما منها خوف من الله ولا حياء من الناس.
ولهذا قد يفرح هؤلاء بمن يخاللون من العصاة، ممتنعين عن مجالسة إخوة ربما أرادوا لهم خيراً يدفعهم لذلك دم الأخوة لا أكثر.
نشكو إلى الله تلك القلوب التي جحدت وتناست وأنكرت واتخذت من بيوت العنكبوت بيوتاً..!
ألطاف الأهدل
لماذا تصدع جدار أخوتنا؟! 1934