نائبة السفير الأمريكي اليزابيت ريتشارد لم تقل سوى ما سمعته من قادة الحرس الجمهوري وقوات مكافحة الإرهاب ، فلو أنها أصخت سمعها جيداً للمواطن البسيط فلربما وجدت فيه التبرير المنطقي والواقعي لحقيقة الحرس الجمهوري أو قوات محاربة تنظيم القاعدة!.
المسألة لا يستلزمها أكثر من قراءة صحيفة أو الإنصات لرجل الشارع العادي ، فتنظيم القاعدة لم ولن يكون هدفاً لا لقوات نجل الرئيس السابق أو لكتائبه المحاربة للمتظاهرين والمناهضين للحكم الفردي العائلي .
ألوية الحرس ليست مهمتها مواجهة جماعات وخلايا تنظيم الشيخ بن لادن وأيمن الظواهري ، وهذه بديهية يعرفها الجاهل بالسياسة والعسكرة والدبلوماسية والعلاقات الدولية، فكيف تأتي علينا الدبلوماسية الكبيرة فتبرر سقوط أبين وعودة بعبع الإرهاب بكونه نتيجة لانشغال قوات الحرس بالصراع الدائر في العاصمة صنعاء بدلاً من تفرغها لحرب القاعدة ؟ .
الحقيقة أنني دهشت واستغربت من محاولة الدبلوماسية الأمريكية تأجيل هيكلة الجيش إلى مرحلة تالية للحوار الوطني وصياغة دستور جديد للبلاد والاستفتاء عليه ، ما أعرفه هو أن هيكلة القوة العسكرية والأمنية تمثل مفتاحاً لبوابة القضايا والمشكلات الوطنية ، فكيف سيكون الحوار الوطني في ظل دولة هشة وضعيفة لا سلطة لها على قواتها المسلحة المناط بها حفظ السيادة وحماية الوطن ومواطنيه ومكتسباته ؟.
كيف سيكون الدستور الجديد ؟ وكيف سيتم الاستفتاء على هذا العقد المفترض تماهية مع الثورة الشعبية ومتسقاً مع روحها وفكرها وغايتها فيما واقع الجيش والأمن مازال منقسماً ومحتكراً من النظام العائلي والقبلي ؟ وكيف سنقنع أنفسنا بأن الثورة الشعبية قد أعادت عجلة النظام الجمهوري لجادتها الصحيحة بينما الواقع يؤكد أننا لم نستطع هيكلة الحرس الجمهوري الذي مازال قادته وولائه للنظام العائلي والقبلي ؟.
الدبلوماسية الأمريكية في اليمن فشلت في فهم وقراءة الواقع السياسي اليمني ، فلو أن هنالك معرفة وإلماماً بطبيعة النظام السياسي المتكئ لحقبة طويلة على دعمها ؛ لما رأينا السفير جيرالد فاير ستاين ونائبه على هذا النحو المتمترس خلف مخاوفه وهواجسه من مسألة هيكلة القوات المسلحة ، نعم فمشكلة الاثنين أنهما لا ينظران لليمن وثورته وشعبه سوى من زاوية أمنية محضة ومن عدسة محاربة إرهاب القاعدة وحماية براميل النفط المتدفقة من دول الجوار .
على هذه الخلفية الأمنية وبهذه الهواجس والمخاوف من القاعدة وصوملة اليمن وقف السفير تائهاً حائراً منافحاً لأجل تغيير جزئي لا يتعدى رأس البلاد ، إنه ذات الخطأ الشنيع الذي وقعت فيه الدبلوماسية الروسية حيال ثورة الشعب السوري وإن بدت صورة الدبلوماسية الأمريكية أقل فظاظة ووقاحة إزاء ثورة اليمن .
صحيح أن خطأ الساسة الأمريكيين لم يصل لحد الصلف الروسي الرافض لأي قرار أممي ، لكن ذلك لا يعني صك براءة للموقف الأمريكي المخاتل لثورة اليمنيين، إذ أن الواقع المعاش لا يوحي بثمة فارق بين دعم الروس للرئيس بشار ونظامه البوليسي وبين دعم أمريكا للرئيس صالح ولنظامه العائلي .
برأيي لا يوجد فرق غير أن الروس بدت صورتهم كمن يمارس الرذيلة نهاراً وجهاراً أمام أنظار العالم، بينما الأمريكيون يفضلونها سراً وفي الغرف المغلقة وعلى طريقة (إذا ابتليتم فاستتروا).
شخصياً وحين تتعلق المسألة بالسياسة والعلاقة الدولية أجدني منحازاً لفظاظة ووقاحة الفعل الروسي على خسة ونذالة الفعل الأمريكي ، فالجهر بخيانة المبادئ والقيم وعلى الملأ أفضل بكثير من التظاهر بالفضيلة والطهر المخفين لخيانة من نوع أخر .
قبل الختام أدعو السفير ونائبه إلى صغاء لمطالبة الثائرين بدلاً من رموز النظام العائلي ، فهذه الثورة لم تقم إلا لاستعادة النظام الجمهوري الذي أجهز عليه عنوة وطمعاً في الاستئثار بالحكم.. أعلم جيداً أن مصلحة بلدهما لطالما اقترنت بشخص الرئيس المخلوع قبل أن تتوسع دائرتها الى الأبناء والأقارب والرموز المقربة من صاحب القرار. .أعلم أيضاً أن الولايات المتحدة لن تعثر على شخص واحد بمؤهلات وصفات وأفعال الرئيس السابق ، لكن ذلك لا ينفي حقيقة أن الزمن تبدل وأن الأشخاص زائلون وأن المجتمعات ومصالحها هي الباقية والدائمة ، فعلى هذه القاعدة ينبغي التأسيس لعلاقات مستقبلية ، لتكن معركة الإرهاب غاية للوجود الأمريكي العسكري ولتكن جهود الدبلوماسية منصبة في خدمة وطنها وشعبها ، أين العيب في أن يكون اهتمام السفير بمصلحة بلده أولاً وأخيراً؟.. أين هي المشكلة إذا ما ذهب أحمد وطارق ويحيى وعمار وعلي الأشول ومحمد صالح وووووإلخ من القيادات العسكرية والأمنية؟.
تنظيم القاعدة لم يكن يوماً هدفاً لقوات النظام العائلي التي يعرف القاصي والداني وظيفتها بحماية الرئيس ونظامه.. بعبارة أخرى يمكن القول أن هؤلاء مارسوا كل أدوات التضليل والكذب والغدر والنصب والاحتيال والسرقة والخيانة وغيرها من الأفعال المهينة لكرامة اليمنيين والمسيئة لعلاقاتهم بالأشقاء والأصدقاء.
فكيف يأتي علينا اليوم السفير الأمريكي أو من ينوبه ليحدثنا بضرورة بقاء رموز النظام في مواقعهم العسكرية؟ وكيف أن الرئيس باراك اوباما يقطر لسانه شهداً حين تحدث بضرورة الاستجابة لمطالب اليمنيين للتغيير وزاد أن عبر عن إعجابه واحترامه بثورتهم بينما سفراء بلده لا يرغبون بممارسة أية ضغط على الرئيس أو أقاربه؛ بل ويتبنون أفكارهم وأكاذيبهم وهواجسهم القديمة والجديدة؟.
محمد علي محسن
أي حوار وأي قاعدة عزيزتي إليزابيث؟! 2219