بلغ الغضب الشعبي أوجه، اقتنع جمهور الشعب بوجوب تحقيق أهداف الثورة ومطالبها، استجاب الأحرار لصرخات الثورة التي أنجبتها سياسة الإقصاء الممنهج، والظلم الممنتج بعباءة الوطنية، ازدحمت الساحات بروادها، اعتلت صرخات التحرر وصيحات الترحيل، حناجر 2006 المأجورة تسددت أمام تلك الأصوات الصادقة الخارجة من... الأعماق، لأن النائحة الثكلى ليست كالمستأجرة .
شعر الظالم السفاح بالهلاك لكنه لم ييأس من المواصلة في كرسي الرقص على رؤوس الثعابين، ترك الرقص على تلك الرؤوس ولأنها تطبعت على الطاعة العمياء له فقد استجابت لتوجيهه في جعل أنيابها على رقاب رفضت الانحناء له، وصدور ضمت قلوب كارهة لمكره وبطشه، لم تتأخر تلك الثعابين عن القيام بأبشع مهمة على مر التاريخ .
استيقضت في فجر الثامن عشر من مارس على عبير جمعة تشير إلي بأن الربيع قد جعل بالساحات تحتوي الكثير من زهوره العاطرة، أشممت رحيقها الذي لا يمل ازددت غبطة في المكث معها والاستمتاع بما تجود به من الرحيق العبق، ظهور جمال وروعة زهور ربيعنا جلبت إليها الكثير من المعجبين بعطائها والمحبين لأدائها، فجمال الألوان تنبئك عن ما تحمله من دقة في التنسيق في ما بين صفائحها، روعة نظام الشراكة في ألوانها من خلال إدراكها أن إرضاء الكون لا يمكن إلا من خلال إشباع كل الأذواق، تحول الإعجاب إلى عشق، كانت الأشواك تشتاض غضباً لما تراه من اهتمام من حولها بزهور الربيع ونفورهم من إبر الشوك والسعي إلى إزالتها لكي تكون زهور الربيع البديل الأفضل المحبوب لدى الناس، رأت الشوك الناس يلبسون النعال لكي يدوسونها تمهيداً لاستئصالها بالمعاول التي أعدت لزراعة المزيد من الزهور .
أيقنت حينها بأن الزهور ستزحف إليها هذا الزحف سيكون النهاية لوجودها ،قررت حينها أن تتعامل مع تلك الزهور بعنف أشواكها لتمزيق جمال لطال ما اشتاق الناس إلى ممارسته .
شعرت حينها بأن خطراً ما يحدق بزهور ربيع الزمان، توجهت إلى أحد منافذ الحديقة لكي أشارك في حراستها من أشواك السوء التي أنهت خصابة الأرض وحولتها عن وضيفة الإنتاج فيها لم أستمر كثيراً في ذلك المنفذ لأن الزهور أبت إلا أن تكون هي الحامي الحقيقي لنا، لأنها اعتبرتنا ضيوف عليها، رفضت تعليلها وأخبرت الزهور بأن رقة صفائحها ستذبل وستعرض نفسها للجفاف إلا أنها أجابت بأن العزيمة هي القوة الحقيقية لمواجهة أي جرم، إصرار الزهور ولد عندي قناعة بأن رقة الصمود منتصرة على قسوة الغدر .
أخبرت الزهور بأني ذاهب للاستعداد للصلاة، طلبت مني أن لا أتطيب لأنها تحمل من الرائحة ما يكفي .
أكملت الاستعداد للصلاة صعد أحد الغصون خطيباً في الزهور كانت صرخاته تحفز الزهور على الانتشار لكي تريح البشرية من شر الأشواك وأذاها .
أحكمت الأشواك حصارها على الزهور، لم تبالي بذلك الحصار توجهت بعد خطبة الحماس إلى الصلاة رأيت لين الزهور تحول إلى تصلب عجيب أيقنت بأن النصر حليفها، رأيت انحناءها لربها زين ذبولها وتعظيمها له زاد من سيول رحيقها على صفحات خدها .
رأت الأشواك ذلك المنظر، ظنت أن الزهور أصبحت أكثر إرهاقاً من ذي قبل فما أن أكملت الزهور مقابلة خالقها حتى انهالت سهام الشوك إليها، وقفت على أغصانها المبتلة بالرحيق الطاهر، وجهت الأشواك سهامها نحو أعناق الزهور ورأسها، كانت الزهور تتسابق في حماية بعضها لم يتراجع منها أحد سقطت الزهرة الأولى .. الثانية .. الثالثة .. استمرت المواجهة بين لين الزهور وسهام الأشواك لن تصدق حينما أقول لك أن الزهور تسلقت حصون الأشواك وألقت القبض على بعضها بينما فرت باقي الأشواك إلى أوكارها مذعورة من الصمود الذي أمام إبر العنف ومسامير الإجرام حاملةً ذيول الهزيمة وراءها .
شاهد الجميع تلك المناظر، رأوا آثار تمزيق الأشواك للزهور كانت مشاهد مؤلمة لم يتحملها الجميع، توجه الشرفاء إلى حديقة الربيع، وجدوا الزهور متواجدة بشكل لم يكونوا يتصورونه، رأوها أصبحت أكثر إصراراً وصموداً، الرحيق الذي سال منها أسقاها كل ألوان الإباء، أيقن الكل بأن لا حوار مع الشوك وأن المصلحة العامة تقتضي استئصالها وأن المفسدة في التفرج على اعتداءات الأشواك على منتجات الربيع، أيقن الجميع أن التوجه السريع إلى الاستفادة من ربيع لن يتكرر، كانت هناك الكثير من الغصون ترقب المشهد من بعيد، لما رأت انكسار الأشواك ازدادت جرأة عليها أعلنت انظمامها إلى ربيع الزهور واستعدادها لمواجهة بطش الأشواك .
وبعد عام من المواجهة بين الخير والشر أصبحت الحديقة على وشك الاكتمال بعد كسر الشوكة الحديدية المربية لبقية الأشواك إلا أن الأشواك الصغيرة لا زالت مغتصبة ببعض شباك الأرض الواقية لها من الاعتداء هذا الوضع جعل الزهور التي كتب لها الزمن رؤية هذه اللحظة تستعد لانتفاضة أكبر لا ستئصال ما تبقى من الأشواك وفاءً لتلك الزهور التي ضحت من أجل أن تطهر الأرض من شرها وأذاها .
يا زمن هل سيكتب لي رؤية انكسار ما تبقى من الأشواك كما أريتني تمزق تلك الزهور الرائعة على مسامير تلك الأشواك؟.
أتمنى أن يرى الجميع خروج زهور الربيع لإعلان الانتهاء من استئصال آخر شوكة وإعلان المرور في كل ساحات الحديقة ( اليمن ) بأمن وسلام..