ما إن رأيتُ اسم الأخ/ عبد الحفيظ النهاري - نائب رئيس الدائرة الإعلامية بالمؤتمر الشعبي العام - حتى قررت أن أقرأ مقاله الموسوم"الديمقراطيّة صناعة مؤتمرية" الذي نشرته صحيفة 14أكتوبرفي 12فبراير 201 2م.. قلت قررت القراءة ظِناً مِنّي بأني أقرأ خطاب هادئ يُقدّمُ أفكاراً وحلولاً وبدائل، سيما في هذه الظروف الفارقة المهمة والخطيرة التي تترتبُ عليها حياة الناس بمختلف توجهاتهم وانتماءاتهم وأطيافهم في مرحلة ربما تمثل نقطة التحوّل والانتقال بالبلد شمالاً والجنوب إلى شكل جديد للدولة التي قادها حزب الحاكم إلى هذا الواقع الأليم والمأساوي.
النهاري عبد الحفيظ عُرف بدفاعه المستميت عن حزبه وسياسته الداخلية والخارجية (وهذا من حقه) لكن بالمقابل لم يتورّع للحظة عن كيل الاتهامات وتوزيعها هنا وهناك على من يخالفهم الرأي، ولم يسلم حتّى أولئك الذين تركوهم في الفترة الخيرة، مع أن واقع اليوم يختلف عن الواقع الذي كنا نعيشه، لكن الخطاب لم يتغيّر، ففيه من الشطط والاستعلاء الذي كنا نسمعه من القنوات الفضائية المختلفة ( لا أريكم إلا ما أرى).
في قراءة سريعة للمقال خلصتُ إلى حقيقة هي أن من الصعوبة القبول بالآخر أو حتّى استيعابه، فضلا عن أن المؤتمر هو صانع المنجزات وكاتب التاريخ وهذا ما سأتناوله لا حقاً.. والحقيقة أقول أنني تمنيّتُ أن يكون خطاب النهاري أكثر اتزاناً وعقلانية من خلا ل الطرح المًقنع خاصّة والبلد كما أسلفتُ على أعتاب مرحلة جديدة، كان الأجدر بنائب رئيس الدائرة الإعلامية للمؤتمر الشعبي العام أن يعكف فيها على تسخير أفكاره ويبذل جهده من أجل تقييم جوانب القصور ومكامن السلبيات التي رافقت عمل حزبه، فأوصلت البلد إلى هذه المآسي والتخّلف والتناحر والاقتتال والتفريخ والهيمنة وفرض الثقافة الواحدة بالعقلية الواحدة، فلولا إجهاض الديمقراطية واحتوائها وتمثيلها في شخص (المؤسس) وفكره الباهر واحتكارها سياسياً واقتصادياً وأمنياً لما آلت الأمور إلى ما وصلنا إليه.
كل هذا والكثير من الصناعة الفاسدة لديمقراطيّة المؤتمر التي لم يجرؤ الأخ عبد الحفيظ النهاري على ملامستها بعقلانية وبفكرٍ علمي واقعي ممنهج ومدروس، يمكنه أو يساعده في قادمات الأيام من التعايش مع الآخر بأكثر موضوعية، لكنه التمترس والإصرار على التعتيم وتكميم الأفواه والمصادرة.. المقال/ ظهر بشكل ازدواجي أو يناقض بعضه الآخر، مثلاً أحد فقراته يقول فيها الكاتب :"....أصواتهم هي التي سترد الاعتبار للديمقراطيّة ولصندوق الاقتراع"!!
مبدئياً هذا القول صادق، لكننا عندما نقرأه على الواقع بمعطياته وإفرازاته نجد أنه ينطبق عليه قول الحق تبارك وتعالى " صدقك وهو كذوب"، لأن الديمقراطية صادرها وخصخصها المؤتمر كما هو حال الصندوق الانتخابي والمالي، اللذين أحتكرهما المؤتمر و سيعودان بمشيئة الله إلى مكانهما الأصلي، من خلال الاحتكام لصندوق الاقتراع الذي يأمل منه النهاري بأنها الفيصل.. والسؤال: لماذا غابت هذه المعايير والأُسس أثناء انتخابات 2006م التي فاز فيها المناضل الكبير المهندس المرحوم / فيصل بن شملان؟ وهذا الكلام كان قد أكده الأخ اللواء الركن / علي محسن صالح - قائد الفرقة الأولى مدرّع قائد المنطقة العسكرية الشمالية الغريبة قائد الجيش المناصر للثورة..
في فقرة أُخرى يقول النهاري :" الذين يريدون أن يشوهوا مسيرة المؤتمر وإنجازاته وخياراته الديمقراطية والمدنية"!.
إن المسيرة التي تحدث عنها انطلقت من التكميم والملاحقة والزج بالسجون ومحاولات اغتيال وإغلاق الصحف ومصادرتها ومنها على سبيل المثال ( الأيام).. أمّا انجازات المؤتمر التي يقصدها النهاري فأكيد أنها تتمثل بمنجز وحدة 22مايو90م، ومن الحق والإنصاف القول أن الشعب وقيادته السياسيّة في الجنوب هُم من لهم اليد الطولي في تحقيق المنجز الذي تحول إلى مشروع عائلي ضيق بعد الانقلاب عليه منذ بداياته الأولى وليس من بعد حرب 94م التي استعمر على أساسها الجنوب، ناهيك عن أن حُلم الدولة المدنية قضى عليها المؤتمر الشعبي العام بقياداته العائلية الأُسرية العسكرية منها والمدنية.
إن التجربة الماضية التي اختتم فيها النهاري مقاله آنف الذكر لم تكن سوى تجربة سوداء ونفق مظلم أثبتت الأحداث الحالية والسنون الخالية أنها لم تكن سوى أداة للبقاء في سدة الحكم وتوريثه، ناهيك عن ابتزاز سياسي ومالي للآخرين !
ثمّة سؤال يطرح نفسه هو :
لو أن المؤتمر كما وصفه النهاري لما تخلّى عن عضويته كوكبةً نخبويةّ لامعة.؟.. وأظن أن تخليهم عن العضوية لم يأت من فراغ كما أنه لم يكن نكاية بأحد ولا هو حنين العودة لأحزابٍ أتوا منها ( على حد تعبير مؤسسه الذي قال أيضاً إن المؤتمر تطهر منهم) بل لأنه تحول من حزب حاكم إلى حزب للحاكم وتلكم هي الحقيقة التي لا مناص من الاعتراف فيها.
عمر محمد بن حليس
صناعة فاسدة 1689