شعرت وأنا أغمس إبهام يسراي في بصمة الحبر الزرقاء أنني وضعت بصمتي في مكانها وأن الوقت يقترب من لحظة قص الشريط أمام مشروع اليمن الجديد الذي ولد منذ عام في ظروف سياسية صعبة منعتنا من رؤية الهوية المستقبلية لهذا الوطن، لكنني لازلت أؤمن أن وطناً جديداً أحوج ما يكون إليه ذلك الإنسان الجديد الذي يملك القدرة على المواكبة ويستفيد باستمرار من حركة التغيير ومستعد لأن يتطور ويغير من أساليبه في التعاطي مع محيطه الاجتماعي والسياسي والديني أيضاً، إذ لا فائدة تذكر من تغيير بنية المجتمعات التحتية والبقاء على عقلية الإنسان كما هي، خاصة حين تكون تلك العقلية مغشاة بإفرازات الماضي وتعجز عن الدخول من أبواب الحاضر دون أن تتعثر على أعتابه لأي سبب من الأسباب.
كانت جموع النساء والرجال محفوفة بالتفاؤل، فالكل يسير ليدلي بصوته والكل يحدوه أمل أن تشرق شمس الغد على تلك الجبال وهذه التلال وقد كُتب للوطن أن يستقر ويعود كما عرفناه سعيداً بأرضه وناسه.
كنت أسال نفسي وأنا أراقب الجميع ما الذي جناه أولئك الذين باعوا ثرواته وقبضوا أثمانها؟! ما الذي يستفيده اليوم أولئك الذين ينادون بالمناطقية والمذهبية والانفصال؟ هل تنفصل صنعاء عن عدن؟! هل تنفصل البيضاء عن تعز؟! هل تستطيع الضالع أن تودع الحديدة إلى غير رجعة؟.. لن يكون ذلك ممكناً في قلوب الناس حتى وإن أصبح ممكناً على الخارطة، لكن ما نوع المصلحة التي يجنيها هؤلاء من خراب ديارهم وديار المؤمنين؟! لماذا هذا العنف وهذه الدموية؟!
يبقى الأمل في وعي هذه الطوابير الساعية لإنقاذ الوطن من براثن عدو يعيش بيننا ويطعم ثمار أراضينا ويروي عروقه الضامئة للشر من ماء عيوننا، عدو أنجبته أمنا اليمن، عاث على ظهره فاسداً حتى استوى بين يديه لون الخير والشر، نكهة الحب والكره، مذاق الإيمان والكفر، أو ليس قتل النفس التي حرم الله كفراً؟! أليس نهب أقوات النفس ظلماً؟ كيف يرتدون أثواب السلف ويطلقون لحاهم كما كان أولئك يفعلون ثم يصبحون أسوأ خلف يأتي ما لم يأت أسلافهم من قبل؟.. أصبحت الرؤية معتمة، والثقة بمثل هؤلاء معدومة وما دام كل منهم يسعى للاستقلال بدولة داخل الدولة فلن تجدي ست حروب أخرى غير تلك الست التي مضت ما دامات النوايا لا تقصد استقرار الوطن وازدهاره.
نؤمن بدولة جديدة قادرة على اتخاذ القرار المناسب في وقته المناسب، ونؤمن بحكومة واعية تضطلع بمهامها الوطنية خلال عامين قادمين يفترض أن يكونا عامي بناء وترميم وإصلاح وتعديل في ظل حكومة وفاق طارئة يجب أن تسعى جاهدة لإنقاذ الموقف الوطني بأي وسيلة كانت.
الأشقاء في الجوار يعانون انقسامات أيضاً وليس من المفيد انتظار أطرافاً خارجية للخروج من هذا المأزق السياسي في اليمن بل إن ساعة الإحتواء والاعتماد على الداخل قد حانت اليوم وأعتقد أن لدينا رجالاً يستطيعون أن يكونوا أهلاً للثقة والمصداقية، فقط على الدولة الجديدة أن تحسن اختيار الرجل المناسب في مكانه المناسب.
ألطاف الأهدل
ها قد أصبح لدينا دولة 1959