للحاكم دين ولنا دين! قالتها مشاعري وأنا أتأمل صور الموتى من الفريقين في رحلة راجلة عبر شوارع الحالمة أفتعلها حين يصبح الصمت عندي أبلغ من الكلام وحين يكون الخروج من زوايا الأوراق والأقلام هو الحل حتى أشعر بالانتماء وأجدد عزمي بالصمود وأستلهم أفكاري من أعين هؤلاء الذين رحلوا وهم يبتسمون لليوم الذي تقف فيه اليمن على قدميها من جديد بعد ذلك التعثر الذي سقطت على إثره مستوحشة وخائفة.
للحاكم دائماً عقيدته ومعتقده الذي لا يشبه عقيدة الرعية ومعتقدها، هناك هوه شاسعة بين الحاكم والمحكوم في بلادنا العربية، إذ تختلف أهداف هذا وذاك وتتباين اتجاهاتهما ولا تتوافق سياستهما أبداً، هناك دائماً حجرة عثرة على الطريق، هناك دائماً ما يحول بين كلمة سواء بين حاكم يمضغ رعيته بين فكيه ورعية لم يكمل نضجها لتصبح أسهل هضماً! حاكم يفتح أبواب الديمقراطية ويمنح الشعب مفاتح الإمامة والملكية، حاكم لا يشبه شعبه وآخر لا يفهم لغة شعبه وثالث لا يرى شعبه أمامه ابداً! حاكم يبيع شعبه وآخر يشتري به، ترى لماذا يختلف الحكام عن شعوبهم؟! لماذا لا يشبهنا حكامنا؟! لماذا نشعر أننا أبناء الوطن بالتبني؟!.
تلك الدائرة اللامنتهية من مشاعر الغربة بين الحاكم المحكوم هي من وضعت الشعوب في حالة هجوم دفاعي بينما أتعبت الحكام في حالة دفاع هجومي واستبدادي أيضاً وكلهُ يصب في كأس الحاكم ليبقى كأس المحكوم فارغاً إلا من الهواء! هناك خلل فني وخطأ مطبعي فادح حول جملة الديمقراطية إلى ديموكتاتورية نشطة لا ترحم، في لعبة سياسية تبقي أوراقها مكشوفة إلى الأسفل حتى لو ربحت ثمن المقامرة!.
حول مفهوم الحاكم والمحكوم كتبت أبحاث وقامت دراسات وخصصت حلقات نقاش طويلة لم تصل إلى جواب للسؤال الذي طرحهُ التاريخ على البشر من قبل لكنهم لم يجدوا له حتى الآن أي إجابة، لماذا يثير مفهوم الحاكم غضب المحكومين والعكس أيضاً؟! وبالتأمل نجد أن نظرة الاستعلاء وتغيير مفاهيم المسؤولية والتباطؤ في تحقيق العدل وترك معايير الثواب والعقاب مفتوحة على مصراعيها.. كل ذلك أدى إلى بقاء مفهوم الحاكم في خانة المغضوب عليها من قبل المحكومين الذين استضعفوا على حساب محكومين يحيطون بالسلطة من كل جانب وهم الذين تسببوا في إظهار طبقية الشعوب وازدواجيتها الاجتماعية بين الحاكم والمحكوم.. قصة صراع لأنها لم تخضع للاختبار الإنساني ولم تكن مكتملة في نصابها القانوني والدستوري ولم تحظ بالالتفاف الأخلاقي وليست منتجاً ديموقراطياً عالي الجودة، بل هي أدنى من ذلك بكثير، لأنها جعلت من الإنسان دولاباً يحرث الأرض تحت قدميها حتى تستطيع غرس أشواكها في جسد الشعوب بكل ما أوتيت من قوة.
ألطاف الأهدل
بين الحاكم والمحكوم 1845