قيام الثورة المؤسسية من اليمن تشكل ثورة مهمة وواجبة شرعاً في كل مؤسسة وتعد ضمانة لتحقيق الدولة المدنية ولكن بغاياتها ووسائلها الحضارية البناءة وبوجه الحق وبالتي هي أحسن، وأن تتدرج بدءاً من نصح المخالف والفاسد، ثم الرفض والبراءة من تصرفات الفاسدين أياً كانت سواء من ظلم أو إهدار الحقوق الخاصة والعامة أو اسائته لسلطاته أو لأي صورة من صور الفساد الإداري والمالي, ثم المطالبة والثورة المؤسسية لتغيير الفاسدين إن لم يتغيروا عبر الاعتصام الحضاري السلمي الخلاق دون عدوان أو تجريح لأحد بل بالاحتكام إلى النظام والقانون والشرع وهنا يجب تحري الحق والموضوعية بالتأكيد على أن أي احتجاجات أو ادعاء ثورة مؤسسية دون وجه حق وبدون الوسيلة السلمية الحضارية وبدوافع أحقاد وفوضي وتخريب هي بالقائمين بها فساداً وإفساداً في الأرض ومحاربة لله ولرسوله، ولا يمكن نجاحها وتعد في سبيل الاستبداد والتخريب والإفساد وهي سبيل الطاغوت وهذه يجب النهي عنها ورفضها وعلى كل من يقوم بها أن يدرك أن الله لا يصلح عمل المفسدين وسينال الخسران والعقاب الأليم في الدنيا والآخرة، وفي هذا الشأن لا يجب السكوت على الفساد من مسؤول أو من محتج وثائر أياً كانوا، كما يجب دعم وتأييد كل القيادات التي تؤدي عملها بأمانة وإخلاص مدنية وعسكرية وقضائية...الخ، وإن كانت من الأحزاب والأنظمة السابقة، وأيضاً دعم ومساندة كل ذي حق ومظلمة أياً كانوا.
* استمرار الثورة الشبابية السلمية
أن استمرار الثورة الشبابية العربية القائمة يعد أمراً مهماً ولكن يجب أن تلتزم بالسلوكيات والوسائل الحضارية والسلمية وعلى الغايات الحق والتي أهمها في المعرفة وإقامة الدولة المدنية، دون الفوضى والحذر من الانزلاق في الفتنة، أو الفيدرالية والانفصالية والمناطقية...الخ.
أيضاً من إكليل تكليل العام الأول من ثورة الشباب العربي ومنها ثورة الشباب في الجمهورية اليمنية بشائر انتصار أصالة الأيمان والحكمة اليمانية في هذه الثورة وبمشاركة كل الأطراف داخلياً وخارجياً، ومن معالم إكليلها هنا الآتي تباعاً:
- توقيع المبادرة الخليجية: من قبل الرئيس/ على عبد الله صالح، وبدعم ومساندة دول الخليج العربي ودول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها، والتي سجلت بذلك مواقف تاريخية عريقة، والحرص على حقن دماء اليمنيين وإقامة الدولة اليمنية المدنية الحديثة ذلك سيخدم مصالح هذه الأطراف باعتبار اليمن ظهيرها المتين وشريان مصالحها العالمية، وسيسجل التاريخ كل من ساهم في ذلك وعلى رأسهم هدهد السلام والمدنية جمال بن عمر - ممثل أمين عام الأمم المتحدة إلى اليمن - ولابد من تسجيل دوره الرائد ومعه أمين عام مجلس التعاون الخليجي وغيرهما.
- تشكيل حكومة الوفاق الوطني: والتي تحمل على عاتقها – ممثلة بأعضائها - مسؤولية تاريخية ومصيرية، وهي بعون الله على مستوى المسؤولية والمكانة التاريخية هذه، وقد عبر عن جدارتها وبشائر اقتدارها رئيس هذه الحكومة/ محمد سالم باسندوة في مواقفه التي من أبرزها حرصه على تحقيق الوفاق وتنفيذ المبادرة من أجل حماية اليمن كما فعل في موقفه وبكائه المشهود والتاريخي في مجلس النواب حين إقرار ما يعرف بقانون الحصانة ( وهذا القانون بصيغته الأولى لم ينزل به الله من سلطان ولا يمكن لقانون بشري أن يكون فوق شرع الله وحكمه على الإطلاق، ولكن القانون بصيغته الأخيرة التي أقرت لا بأس به باعتباره يدخل ضمن التسامح والعفو اللذان حرص الإسلام على تجسيدهما ولأن هذه الصيغة أقرب إلى الحق فقد سارت وبقيت ولأن الأولى باطل فقد انتهت وبذلك آية وعبرة ) وفي هذا الموقف أثبت رئيس الوزراء اليمني با سندوه أن البكاء في مثل هذه المواقف يجعل من الرجال أولي قوة وشدة ورفعة، وأحدث بذلك ثورة تغيير خالدة في ثقافة المسؤولين العرب وفي العالم إن كان هناك ممن يرتقي إلى هذه المكانة والإرادة وهناك الكثيرين بالتأكيد وهم قادمون ببشارة هذا الموقف وبهذه الثورة الخالدة بعون الله تعالى.
- المضي نحو انتخاب رئيس للجمهورية اليمنية لفترة انتقالية: وهي الانتخابات المقرر إجراؤها في 21 فبراير 2012م، بانتخاب نائب الرئيس اليمني/ عبد ربه منصور هادي رئيساً للجمهورية اليمنية عبر الانتخابات الشعبية المباشرة كمرشح توافقي لفترة انتقالية مدتها سنتين، وفق المبادرة الخليجية واتفاق جميع الأطراف، وهنا ينبغي أن يدرك الجميع بأن هذه الانتخابات مفصلية ومصيرية، وواجب المشاركة بها وإنجاحها فرض عين على كل يمني ومسؤوليتها وعواقبها على عاتق الكل في الدارين، وتعد من صور النفرة والجهاد في سبيل الله ( لماذا ؟ )، لأنها المرحلة الفاصلة للمضي باليمن إلى بر الأمان والتغيير المنشود والدولة المدنية الحديثة التي تجسد الاستخلاف الحق وتحقق العدل والخير لكل أبناء وأجيال اليمن، فضلا عن أنها تحمي اليمن من الاقتتال، وهي بذلك دفاعاً عن حق اليمن وحماية لحاضره ومستقبله وفي حماية اليمن والدفاع عن سلامته وبناء مستقبله كله من جوهر الجهاد في سبيل الله، كما قد يعتقد البعض بأنه لا داعي لانتخابات كون المرشح واحد ومحسوم أمر فوزه إنشاء الله تعالى.
وهنا يجب أن يدرك الجميع بأن المشاركة واجبة شرعاً وجهاداً في سبيل الله تعالى للأسباب السابقة ولأن الانتخابات هي بمثابة البيعة والعهد وهي واجبة شرعاً ( وهذه الحقائق وغيرها واضحة بجلاء في جميع فصول كتاب إكليل الثورات الخالدة في وبالتحديد في فصل الرسالة والحضارة الإسلامية منه ومن يريد مزيدا من الإدراك واليقين فاليرجع إلى ذلك كون الأمر مهم ومصيري لكل فرد )، كما ينبغي أن يدرك الجميع بأن هذه الانتخابات في حقيقتها ليست كما ينظر إليها من زاوية ضيقة بإنهاء لإنهاء شرعية رئيس ونظام سابق، لا بل إنها انقطاع عن الماضي والتحول نحو عصر جديد هو عصر التغيير والنهضة بإذن الله تعالى، وبمشاركة كل أبناء اليمن بما فيهم الرئيس والنظام السابق اللذان يدركان تماماً بأن العودة إلى ما قبل الثورة مستحيل وبأن تعطيل الانتخابات انتحار أبدي وخسران مبين في الدارين، وتعميق كلفة العبور والتحول الذي أصبح حتمي ولذلك يحسب للرئيس/ صالح ولنظامه تخفيف هذه الكلفة بالتوافق وهو لصالحهما كما هو لصالح كل أبناء اليمن، ولكن بالعمل بإخلاص على إنجاح الانتخابات الرئاسية والانتقال إلى المرحلة الانتقالية بسلام.
د /أحمد عبدالحافظ الحضرمي
تكليل الثورة الشبابية العربية في عامها الأول 4-5 1883