في ذكرى المولد النبوي من كل عام يسكنني شعور بالخوف، لأنني أستشعر وجوده صلى الله عليه وسلم في هذا الزمن وأجدني عاجزة عن تصور المشهد الديالكتيكي المنبثق عن خلفية تاريخية مبهرة بكل المقاييس والمصطدم بحوار اجتماعي ثقافي حديث ليس له أطر روحية متكاملة، أو أنه لا يسمح بظهورها علناً على قاعدة سياسية قاسية الملامح لازالت تستورد قوانينها من عالم آخر يكبرها سناً ويفوقها خبرة!.. في هذا الذكرى التي لم نعطها حقها من التبجيل أقف متساءلة: لو أنه كان بيننا هل سنكون بحاجة إلى السياسة والأحزاب والتعصب الأعمى لأجل إقامة دولة تحترم شعبها؟! حسناً وما الفرق الآن؟ هو مات صلى الله عليه وسلم لكن الكتاب العظيم والسيرة الخالدة لازالت قائمة، إذاً فهو لم يمت كتشريع صالح لإقامة دول عادلة وشعوب صالحة، فلماذا إذاً ً نقول بموته؟! هو باقٍِِ بيننا طالما رفعنا كتاب الله كحاكم عدل لا يمكن إلا أن يصلح الناس بذلك الزخم التعليمي النصي الذي ساقته حكمة الرحمن بين دفتيه كوصفة دواء ناجع.
تأملوا في قول الله تعالى في سورة الأعراف "والبلد الطيب يخرج نباتهُ بإذن ربه والذي خبُث لا يخرج إلا نكدا كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون" آية "85" وقال عن سبأ اليمن في سورة سبأ "بلدة طيبة ورب غفور".. إذاً فتربتنا طيبة وزرعنا طيب، لأن بلدتنا طيبة وهذه قاعدة قرآنية لا يمكن أن يأكلها صدأ المستشرقون أو تبدلها آراء المستغربين، وكل آية في القرآن الكريم تبني دولة بشعبها وجيشها واقتصادها، فأيهما أكثرعدداً وأقدر عدة آيات القرآن أم دول العالم التي استوردنا منها شريعة غير الشريعة المطهرة ومنهجاً غير المنهج؟!.. لن يصلح حال هذه الأمة إلا هذا الكتاب الذي لا تعدل لذة قراءته أو الاستماع إليه أي لذةٍ في الدنيا ولو أننا نعطي أنفسنا في كل يوم دقائق معدودة للتأمل والتدبر فيه لعرفناه وأحببناه وآمنا به دستوراً حقيقياً يصلح النفوس ويرمم تصدعاتها وشقوقها ويقوم إعوجاج السلوك فيها، إنه رسالة النبي الأمي التي صاغتها السماء بما يناسب فطرة أهل الأرض،الحبر الأثيري الذي يسري عبر شرايين الجسد ليصب في الأرواح ويبعث فيها السكينة والطمأنينة.
ونحن أمة هذا النبي العظيم وهذا دستورنا السماوي الذي نزل خصيصاً لأجلنا من لدن حكيمٍ عليم، فهل تكون دساتير الأرض وأنظمتها السياسية والاجتماعية أكثر حكمةً وعلماً من ملك الملوك؟!.. أتذكر آيات الحوار بين اليهود وموسى عليه السلام في سورة البقرة وكيف أنهم بتعنتهم الشديد وصلوا إلى استبدال ما هو أدنى بالذي هو خير، فلماذا نحذو حذو اليهود في استبدال التشريع الرباني الفطري البسيط والحكيم في نفس الوقت بتلك التشريعات والقوانين والدساتير التي أهلكت فطرتنا وقتلت آدميتنا منذ أن جعلناها حكماً لنا؟! ترى لو أنهُ أصبح بيننا فجأة وسألنا، ماذا فعلتم من بعدي؟! هل منا من يستطيع أن يجيب؟! هذا المعلم العظيم، هل منحناه حقه من الطاعة والإتباع والاقتداء؟!.
ألطاف الأهدل
في ذكرى هذا المعلم العظيم 2120