بعد أن أصبح طقس السياسية العربية حاراً ناراً ربيعاً، حافاً جافاً شتاءً، مستعراً مستمر صيفاً وغير متوقف خريفاً أصبح من الضروري إرتداء معاطف الحصانة وحمل مظلات الحوار الدبلوماسي المطاطي والمناور والذي يبدأ وينتهي عادة في نفس النقطة وإلى ذات النتيجة، اليوم أصبح الحوار الثقافي والاجتماعي والديني مبني على أساس سياسي متذبذب، يجتاح الشعبية، لكنه لا يقدم أي مشوره ناجحة سوى بعض الدردشة البريئة التي ترسم السياسي ككاريكاتير ساخراً ربما أظهر الحقيقة كاملة لكنه في النهاية يعجز عن تطبيقها على الواقع.
الكل أصبح يحتمي بمآثره البطولية سواءَ كانت ثورية أو نظاميه والكل أصبح يريد حصانة من نوع آخر! وأشعر أن لكل شخص منا ذنب إقترفه أثناء الأشهر الماضية وهذا الذنب هو ما يدفعنا اليوم للبحث عن الحصانة، وليس شرطاً أن تكون حصانة سياسية أو قضائية إنما الكل أصبح يبحث عن ثوب يواري سواته! بعضنا أخطأ حين صمت وتعامل مع ما حوله كقصه خيالية لا يمكن أن يستوعبها الواقع، وبعضنا حذف نصوصاً من تلك القصة وأضاف فصولاً بأكملها لا تخدم إلا مصالحه، هو متجاهلة مصالح الآخرين بل وأورواحهم الزهيدة بين يدي الموت، وبعضنا ترجم هذه القصة إلى عدة لغات ليسهل تدويلها وتحويلها إلى قصة عالمية بغرض التشهير لا الشهرة..
والمهم أن الجميع استفاد من هذه القصة سلباً أو إيجاباً، تجاهلنا أشلاءً بكتها الطرقات والأرصفة، تناسينا أطفالاً أضحوا يتامى في لحظة غدر باهتة، غضضنا الطرف عن ضعفاء خرجوا يشكون ضعفهم وعادوا إلى أكواخهم يحملونه من جديد، صفقنا وغنينا ورقصنا وتحاورنا ولم نقدم لأصحاب القضية شيئاً، ها هي الوليمة توشك على الانتهاء ولازال الجوعى يرابطون أمام الأبواب في انتظار أن يلعقوا العظام ويولوا الأدبار جوعى كما كانوا! لم نحقق مبدأ العدالة الفكرية ولم نحفل بقصة المساواة الإنسانية ولم نحافظ على قواعد المجتمع الحضاري بل إننا وفي زحمة البحث عن مخر معتدل حطمنا بنية الصحة والتعليم والأمن الغذائي لهذا الشعب المحطم سلفاً، وبعد فماذا بقى من أوراقنا لم نمزقهُ في لحظة حُمق وغباء؟! ماذا تركنا للغد القادم من بعيد؟! ولماذا نحطم كل شيء لأجل الحصول على شيئ واحد، ألا يوجد مصطلح سياسي واضح غير "الفوضى الخلاقة" يستطيع تصوير مفردات الهدم والبناء في منظومة الثورات العربية ويستخلص مخرجاتها الإيجابية دون خسائر في الأرواح أو الممتلكات؟!.
أشعر بالتعب العميق حين أرى أن الفقراء والجوعى والمهمشين وأطفال الشوارع أصبحوا أكثر عرياً وجوعاً وتشتتاً وألماَ... لماذا نبحث عن أعذار سياسية وحصانات قضائية وأسباب دبلوماسية لكل ما جنت أيدينا ونترك الفئة المستضعفة من الناس دون عذر أو حصانة أو سبب واحد يدفعها للبحث عن لقمة قذرة في مقالب القمامة؟!.
ألطاف الأهدل
من يعطي للفقراء حصانةً ضد الجوع؟! 1635